حركة العريف حسن السريع

من الصفحات المشرقة التي سطرها الشيوعيون العراقيون البواسل .. انتفاضة مجموعة العريف حسن السريع التي كادت تنهي الحكم الديكتاتوري الدموي عام 1963.

فجر يوم 3 تموز 1963، وكان الظلام مازال طاغياً، اتجه العريف حسن السريع مع مجموعة من جنود وصف ضباط المدرسة المهنية العسكرية وبعض المدنيين بزي عسكري إضافة إلى جنود ملتحقين من وحدات أخرى انطلاقاً من مهاجعهم نحو كتيبة الهندسة بمعسكر الرشيد، وكان بعضهم يرتدي  ملابس ورتب الضباط وعندما أصبح على مسافة مجدية من حرس باب نظام الكتيبة رفع وبحركة سريعة وذكية «بيريته» طالباً منهم بحزم وثقة إلقاء اسلحتهم مستغلاً ستار الظلام وجلبة الرجال الذين معه ليوهم الحراس بأنه وبقية العسكريين المرافقين يحملون أسلحة وينفذون خطة مدروسة ومعدة سلفاً، وبأن ما يقومون به ذو شأن كبير وجزء من عمل واسع.. دار ذلك بخلده وأوحت به حركة البيريه في أذهان الحراس الذين ذهلوا ورموا اسلحتهم مستسلمين.

كانت تلك بداية انطلاق ما سمي بحركة حسن السريع  التي تمكنت من احتلال كتيبة الهندسة ثم احتلال أغلب أجزاء المعسكر الذي كان يضم أكبر قوة في بغداد من الطائرات والدبابات والمدرعات وسلاح الهندسة والمشاة وغيرها، كما تمكنوا من اعتقال عدد من الضباط الموالين للحكومة، وتجهيز بعض الطائرات بانتظار الضباط الطيارين بعد إخراجهم من السجن رقم واحد الواقع في المعسكر ذاته والذي ضم 500 ضابط شيوعي ليتم توزيعهم على الوحدات في المعسكر، وإلى معسكرات الناجي وأبو غريب والمحاويل وبعض الوحدات المستقلة في بغداد، فضلاً عن دعوة عدد منهم للمساهمة في قيادة الحركة وتسييرها، وكان للحركة جنود موزعون على كل الوحدات ومبلغين بأن ساعة الصفر لبدء العمل على اعتقال ضباطهم هو الوقت الذي يصل فيه الضباط المطلق سراحهم إلى تلك الوحدات وكانت الحركة قد اتصلت مع شيوعيين في بغداد وبعض المحافظات ومع منظمة الفرات الأوسط التي  لم تتضرر كثيراً بسبب لجوئها إلى الريف بقيادة عضو المكتب السياسي باقر إبراهيم  الموسوي وعدد من الكوادر الرئيسية في الحزب، وكان أمل حسن السريع ورفاقه كبيراً بتجاوب جنود الجيش الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية مظلومة. وتؤكد المعلومات أن حسن السريع وجماعته قد فكروا بأدق التفاصيل وأعدوا خطة جريئة كانت تحتمل النجاح لولا ملابسات بسيطة أهمها: «جبن» قائد الدبابة الوحيدة المشاركة في الهجوم على معتقل الضباط، إضافة إلى مقاومة المدافعين عن السجن، مما سبب تأخر إطلاق سراج الضباط وأعطى الحكومة وقتاً فخسر الثوار عنصر المفاجأة والمبادرة وحوصرت حركتهم داخل المعسكر بانتظار حسم معركة السجن وتطيير الطائرات القاصفة واستخدام الدبابات وبقية الأسلحة. ورغم بساطة الخطة الموضوعة وسهولتها إلا أن قسوة القمع الذي مورس بعد فشلها وتنفيذ أحكام الإعدام بأهم رجالها واستمرار الحكومات  التالية في ملاحقة المساهمين بها وسجن الأحياء منهم واختفاء المتعاونين معهم على مدى سنين عديدة، فضلاً عن اكتظاظ السنوات التالية بأحداث مريرة سالت فيها الدماء وانشغلت بها الأنفس، أدت إلى ضياع معلومات وتفاصيل كثيرة عنها.

كانت البذرة الأولى لحركة حسن السريع قد بدأت انطلاقاً من محاولات فردية لاستعادة تنظيم الحزب قام بها الشيوعيون بعد أن وجهت إليهم حركة 8 شباط ضربات قاصمة قطعت أوصال منظماتهم.. لكن خلايا ومنظمات حزبية قاعدية في كل القطاعات الاجتماعية والعسكرية ظلت بعيدة عن أيدي السلطة وأجهزتها. و يبدو أن المنظمة العمالية كانت واحدة من هذه المنظمات، المنظمة العمالية التي كان يقودها محمد حبيب «أبو سلام» وهو عامل مقهى تمكنت ورغم اعتقال عدد من أعضائها وتعذيبهم وقتلهم من إقامة صلة مع حسن السريع الذي تميز بالصلابة والقدرة على الإقناع والحماس المطلق لما ينوي القيام به، فأعدت خطة الحركة وشكلت قيادتها تحت اسم اللجنة الثورية ونشط المدنيون لتهيئة الأجواء والاتصالات لإعداد القادرين منهم على حمل السلاح للدخول إلى معسكر الرشيد بمساعدة بقية الجنود للمساهمة في التنفيذ. وقد خسرت اللجنة الثورية بسبب عدم تمكنها من إطلاق سراح الضباط إمكانية إعطاء إشارة البدء للوحدات والمعسكرات الأخرى.. وقد أثبتت التحريات أن عمل هذه اللجنة كان ذاتياً 100 % ولم تكن هناك أية تدخلات أو تعاون خارجي.. وضمت صفوف حركتهم عناصر من كافة ألوان النسيج العراقي العربي والكردي والآشوري والمسلم والمسيحي، ولم تتحكم في تصرفاتهم أية نوازع طائفية أو عنصرية أو دينية، ولهذا فإن ماحدث في 3 تموز 1963 لم يكن فقط إنذاراً للسلطة، بل كان إنذاراً عاماً بضرورة العودة للشعب وعدم الابتعاد عنه، لكن الأحداث التي جرت فيما بعد أثبتت أن الذين سيطروا على السلطة لاحقاً استفادوا من ذلك الدرس مقلوباً فخططوا حتى قبل وصولهم إلى السلطة عام 1968 إلى تحطيم ممانعة الشعب العراقي من خلال سحق مراكز قواه الوطنية.

لقد قمعت انتفاضة الحركة الثورية التي قادها العريف حسن السريع بإعدام جميع المشاركين بها.

 

■ اعداد: محمد علي طه