باص المؤسسة بانتظار مهرجان دمشق السينمائي
يعتبر باص المؤسسة العامة للسينما مَعلماً أثرياً هاماً في المؤسسة، هذا الباص الذي كان من المفترض أن يحال من الخدمة منذ سنوات طويلة، ما زال يعمل حتى لحظة كتابة هذا المقال، ويكلف المؤسسة أضعاف سعره الحقيقي كل سنة، وفي ظل وجود هذا الباص، بدأ الحديث عن مهرجان دمشق السينمائي...
في حوار أجرته جريدة «البعث» مع السيد محمد الأحمد المدير العام لمؤسسة السينما قال: «سيتم عرض الأفلام في حوالي 15 صالة ..نقر هنا أنها ليست جميعها ممتلكة لأحدث وسائل العرض، لكننا نهدف ومنذ الدورة الماضية إلى إعادة المشاهد للصالة وهنا أذكر مثالاً يتعلق بأن المرء يجب أن يتكيف بالشرط الموضوعي أو الواقعي المحيط به. فمثلاً عندما خرجت إيطاليا من الحرب العالمية الثانية وقد دمرت صالاتها واستديوهاتها عمل المخرجون الإيطاليون على تصوير الأفلام في الشوارع والأزقة لعدم توافر استديوهات، وحين كان يعرض الفيلم كانت تنصب شاشات عملاقة في الأماكن العامة، فتمخض عن هذه الحالة ما يسمى بالواقعية الإيطالية».
وبناءً على هذا الحديث أدركنا تماماً ما هو السبب الذي تعمل من أجله المؤسسة العامة للسينما أو الأصح ما هو السبب الذي لا تعمل المؤسسة العامة للسينما من أجله للنهوص بصالات السينما والأفلام المقدمة فيها، والسبب هو أننا ننتظر أن تتمخض لدينا حالة مشابهة لتلك التي خرجت في إيطاليا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. رغم أن أقرب حرب خضناها كانت منذ 30 سنة. وأدركنا أن السبب ليس في المشاكل الكبيرة التي تعاني منها السينما السورية، والتي بقيت تنتج إلى الآن فيلمين أو ثلاثة في السنة الواحدة. إلا أن السيد محمد الأحمد أغفل الكثير من النقاط الهامة خلال حديثه أولاً أن الصالات المذكورة لا تمتلك أحدث وسائل العرض فحسب، بل لا تمتلك وسائل عرض بتاتاً، وبعض هذه الصالات لا تمتلك شروطاً ملائمة للحياة البشرية.. فعلى أي أساس يطلق السيد محمد الأحمد أقواله، أعتقد أن القيام بزيارة ميدانية لواقع هذه الصالات سيتمكن من مشاهدة واقعها الحقيقي.. وليس التحقيق الذي نشرته جريدة «قاسيون» إلأّ مثالاً معبراً عن واقعها.
فما الذي ينتظره السيد محمد الأحمد من أجهزة عرض أكل الدهر عليها وشرب، ومن مقاعد شرب الدهر عليها وأكل، ومن شاشات تظهر نيكول كيدمان على أنها سيلفستر ستالون، وتذاكر شباك مكتوبة بخط اليد، وأحياناً من دون شباك، هل يأمل بأن نصل الآن بكل ذلك إلى الواقعية الإيطالية.. الأفضل أن ينظر إلى الواقع السوري قبل النظر إلى أي واقع ثان.. ولم يتطرق السيد محمد الأحمد في معرض حديثه عن الصالة الوحيدة المملوكة من قبل مؤسسته وهي صالة الكندي والتي تم إغلاقها بسبب (التصليحات) ولفترة طويلة، ونأمل ألا يكون مصيرها معلقاً كما حدث في مسرح الحمراء والذي امتدت عملية الإصلاح فيه إلى ما يزيد على السنتين، وخرج دون أي تطوير أو تغير ملموس باستثناء البلاط الخارجي، الذي زين على أنه شريط سينمائي بالرغم من أن مسرح الحمراء هو مسرح وليس صالة سينما.
ويتابع مدير عام مؤسسة السينما حديثه عن المهرجان، مبشراً جمهور المهرجان بـ400 فيلم سينمائي سوف تعرض ضمن 14 تظاهرة موازية للمهرجان، وهذا العدد من الأفلام يتجاوز الكثير من التظاهرات العالمية، ففي مهرجان تورنتو السينمائي بلغت الافلام المشاركة 336 فلماً فنحن سنسبق الكنديين ب64 فيلماُ محققين رقماً قياسياً في الأفلام المعروضة والتي ستتوزع خلال عشرة أيام حسب السيد الأحمد على فئات متعددة منها داخل المسابقة، (الفيلم الطويل والقصير)، وأخرى خارج المسابقة من هذه التظاهرات (سوق الفيلم الدولي)، (تاريخ السينما الفرنسية)، (تاريخ السينما الدانيماركية)، (السينما الهندية ماضياً وحاضراً)، وغيرها من الفئات، دون أن ينسى أن يوزع حصص الأفلام على المشاهدين فهو يعرف أن المشاهد لا يستطيع أن يشاهد أكثر من 50 فيلماً أي 5 أفلام في اليوم، وهو مدرك للوضع الاقتصادي والمعيشي للفرد السوري، الذي يستطيع أن يدفع مبلغاً قد يزيد عن 1500 ل.س خلال ثلث الشهر، لمشاهدة خمسة أفلام في اليوم -هذا إن كان المشاهد عازباً- وهو مدرك تماماً أيضاً للشروط الصحية للصالات. إلاّ أن السيد محمد الأحمد من خلال هذه التنويعة في الأفلام أغفل أمراً مهماً وهو هدف المهرجان والذي أنشئ من أجله، بعد أن تغير عنوانه العريض فما هي هوية المهرجان الجديد، وما هو العنوان العريض الذي سينضوي تحته، كما أن المشاكل التي حدثت في المهرجان الماضي من الممكن أن تتكرر والتي جعلت جزءأً من المنافسة ينحصر بين الأفلام داخل المسابقة والأفلام خارجها وخاصة أفلام سوق الفيلم الدولي، والتي تقدم أفلاماً لا تقدم بشكل دائم على شاشتنا السينمائية، مما يؤدي إلى مباراة بين الأفلام داخل المسابقة مع الأفلام خارج المسابقة على شباك التذاكر.
ويصر مدير عام مؤسسة السينما دائماً على أن مهرجان دمشق السينمائي أصبح مهرجاناً دولياً ونحن هنا نطرح سؤالاً ما هي المقومات التي تؤدي بمهرجان لأن يكون دولياً: هل هي الافتتاح الذي يتم التحضير له في الأيام القليلة الأخيرة قبل بدء المهرجان؟ أم صالات العرض المتردية والتي ما زلات تعرض أم كم الفوضى التي تحدث داخل المهرجان وسوء التنسيق، أم أن ما يضفي صفة الدولية على المهرجان فقط هو كم الأفلام المشاركة والمزايدة على أنفسنا فقط. وسيبقى المعبر الأهم عن وضع المؤسسة العامة للسينما والباص الذي بات معروفاً للقاصي والداني.
■ ع. س