ماذا تقول ياصاحبي؟ «كل الدروب إلى ..»
■ عجيب أمرك يا رجل !! فأنا عندما أسألك أن نتحدث - لو مرة –عن شؤوننا الذاتية, أراك وأنت تستجيب للطلب وتبدأ بالتحدث في شؤونك الخاصة تسارع ومن خلال حديثك مباشرة لمعاودة الكلام في الشأن العام ..في القضايا الأعم وبخاصة الاجتماعية والسياسية,لقد حيرتني,فكيف تفسر ذلك يا ترى؟
● الحقيقة ليس في الأمر ما يحير والتفسير الوحيد لهذا الأمر هو وبكل الشفافية والصدق أن لا هم
نحمله ولا أمل يسكن جوارحنا إلا ويمتزج في هذا الهم العام والأمل المشترك . ألم أقل لك – أكثر من مرة- إن الهم الفردي الشخصي أصبح وبحكم الواقع الذي نعيشه جزءا لا يتجزأ من الهم العام الذي هو في أساسه الحاضن لكل الهموم الذاتية ,وبعبارة أوضح وأدق : إن الإنسان من حيث أحاسيسه و تطلعاته وعمله وعيشه ومصيره أي مجمل وجوده ما هو إلا خلية حية في كيان الإنسانية جمعاء –شاء أم أبى !!- طبعا مع "التجاوز" عمن ارتضوا أن ينسلخوا من إنسانيتهم فصاروا حيتانا ووحوشا تتحكم بهم شريعة الغاب ,ولإثبات هذا التفسير فأناالآن أسألك أن تحدثني عن شؤونك الذاتية , فتفضل إن تكرمت وأفصح عنها !!.
■"أبشر,إنني أنتظرت هذه الفرصة من زمن !!لأفصح عن شؤوني الخاصة وفي رأس هذه الشؤون " الشجون" هم بل حلم امتلاك بيت متواضع يكون ملاذي وملاذ أطفالي من بعدي!!
● هذا يكفي ,فلقد قلتهاأنت بلسانك " ملاذي وملاذ أطفالي من بعدي".أرأيت يا صاحبي حتى في حلمك أو في همك على حد سواء لا يمكنك أن تنفرد وحيدا مهما أردت أو سعيت!! وهذه هي حال الغالبية العظمى من المواطنين . وكل منا عندما يستعيد بعضا من شريط ذكرياته ومنذ تفتح على وعي الحياة لا يتذكر " تفردا "إلا ويعود ليصب مجددا في بحر المجتمع,وهذه الحقيقة يجب أن تظل ماثلة أمام عيون الجميع لتكون حافزا للنضال المشترك في سبيل حقوقنا المشروعة في عيش حر وحياة كريمة ,وبودي في ختام حديثنا أن أقرأ لك واحدة من" يومياتي " التي أدمنت على كتابتها منذ أكثر من خمسين سنة:
يوم الأحد 7نيسان 1952
توجهت كالعادة صباحا من حينا في سفح قاسيون وعبر البساتين إلى مدرستي التجهيز الأولى "جودة الهاشمي"التي كان الطلاب يقصدونها من كل أحياء مدينة دمشق وما إن اجتزت نبع "عين الكرش"على مشارف حي الديوانية إلا وسمعت صياحا قويا و"ولولة"فأسرعت أقطع عرض البستان باتجاه مصدر الصياح لأرى رجال أمانة العاصمة "البلدية" بحراسة مجموعة من الشرطة يهدمون بيتا متواضعا بعد أن أخلوه من ساكنيه"امرأة مسنة وثلاث شابات لقد كان المنظر مؤلما يملأ النفس غما وحسرة وغيظا ولم يفارق هذا المنظر خاطري لحظة واحدة خلال وجودي في المدرسة, وفي المساء _وكنت قد حدثت كل الأهل ومن لقيت من الأصدقاء والمعارف بقصة هذا الحادث المفجع"هدم البيت وتشريد سكانه_كتبت هذه المقطوعة فاسمعها يا من تحلم بامتلاك بيت متواضع:
دق النفير ...يارجال الشرطة إلى المسير
أمر بزحف قد أتى ...في الديوانية ينتصب الردى
ومن الرجولة فتزوّدوا ... وعلى خوض المعامع فتعوّدوا
دونكم حصن حصين ... بيت من "اللبن" والطين
فاحملوا ما تيسر من المسدسات و"الكريكات"
لهدم بيت فيه عجوز وثلاث بنات!!!.
فماذا تقول يا صاحبي ؟؟!