فنجان قهوة: دمشق مدينة نص نص
لم يكن هنالك من يستطيع منع مؤنس الرزاز من أن يصف «عمان» بأنها مدينة مغلقة. لسبب بسيط وهو أنها لم تكن تضج بالحياة كبيروت أو دمشق أو القاهرة… ولذلك تحس في كلمات مؤنس عن مدينته. أنه يتحدث عن سجنه أو منفاه. إذ أن الحياة فيها تغدو مجرد عزلة اختيارية لاستحالة التواصل مع الغير لكونها لم تتمكن من تشكيل حالة أو جو ثقافي على مدى سنيها.. وكان معظم الأدباء والشعراء الأردنيون قلتهم «كما كنا نقول سابقاً» يوافقون مؤنساً الرأي. لذلك تراهم يترددون دوماً على دمشق «القريبة» لإشباع غرائزهم الثقافية، دون أن يتخلوا عن عمان. وفي النهاية، لم تعد عمان تلك المدينة المغلقة، إذ يجد النتاج الأدبي طريقاً له للضوء على قلقه ولا أبالغ إذا قلت أن دمشق أصبح من المخجل وضعها في مقارنة مع جو ثقافي كعمان. فدمشق التي تغلي بشعرائها وكتابها وفنانيها «على كثرتهم» لا تصدّر نتاجاً (سوى واحد) بالألف مما تنتج.
والسبب واضح.. بل وفاقع. نحن هنا لا نملك دورية ثقافية واحدة مهمة.
كما لا يوجد سوى القليل من المهرجانات والفعاليات الهامة ومعظمها لا يهتم بأن يفسح للجديد بالظهور بقدر ما يهتم بالاجترار. طبعاً ليس هناك من ينكر وجود كم ضخم من الدوريات والمهرجانات والمؤسسات المحنطة تضر أكثر مما تفيد وتشرخ جو دمشق الثقافي إلى اثنين، واحد رسمي يقف أمام الأضواء ليحجبها عن الباقين.
وآخر حقيقي يحاول جهده النفاذ للضوء عبر منافذ أخرى غير رسمية.
أظن أنه قد آن أن نعترف بأن «المعرفة» و«الأسبوع الأدبي» و«الموقف الأدبي».. و… و ..ومؤسساتنا الثقافية ومن لف لفهم… فاقدة لمصداقيتها بالجملة، وتشكل عبئاً ثقافياً ثقيلاً لا يمكن تجاوزه، إذ سمحت لنفسها بأن تكون الوصي علينا جميعاً، ولنصبح نحن أولادها الطيعين وإلا فنحن مطرودون…وليس أمامنا سوى التسكع والكتابة على جدران الشوارع وأرصفتها… وارتشاف القهوة في مقهى الروضة لنصحو ونبقى واعين لما يحدث.
المهند حيدر