بين قوسين: الحاجز
على الحاجز الإسرائيلي يتحوّل الفلسطيني إلى عارض أزياء رغماً عنه، ذلك أنه مضطر إلى خلع ثيابه أكثر من مرة، من أجل التفتيش، فهو من وجهة نظر الجندي الإسرائيلي حزام ناسف متحرك، أو قنبلة موقوتة، كما أن الجندي نفسه، وكنوع Insert Widget من قتل الضجر يصنع من هذه الفرجة اليومية لعبةً للتسلية والإهانة في آنٍ واحد.
الحاجز مفردة أساسية في حياة الفلسطيني، فهو نقطة عبور إلى نجاةٍ مؤقتة، وموقع حكايات لا تنتهي عمّا يحصل في نقاط التفتيش. فعبور الحاجز الأول يقود إلى حاجزٍ ثانٍ، وحاجزٍ ثالث، إلى أن يصل من يود العبور إلى حالة من الانهيار العصبي. نجد هذا المشهد الاعتيادي في معظم الأفلام الفلسطينية الجديدة، وفي الكتابات القصصية والروائية، والعروض المسرحية، فـ(إسرائيل) تعمل من دون هوادة على تفتيت معنى الأرض في ذهن الفلسطيني، ما يجعل العبور لأمتار قليلة إنجازاً معنوياً، وتذكير بوجود من يقرر عبورك من بقعة إلى أخرى، فوق أرضك التاريخية. جندي الحاجز هو قاطع طريق بمعنى آخر، ولكن تحت قانون قسري اخترعه بنفسه، كي تعيش الجحيم يومياً. الفلسطيني من جهته أخذ يتحايل على حاجز التفتيش بالالتفاف بعيداً عن الحاجز، لكنه سيصل إلى موعده متأخراً وخاسراً بالتأكيد. تصف الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي هذا العذاب اليومي بأن الفلسطيني أخذ يقيس حياته على الحاجز بالأمتار وليس بالساعات، فهو كلما تجاوز حاجزاً، سيجد بعد أمتار حاجزاً آخر، وفي الحصيلة سيكتشف أنه لم يتحرك من مكانه تقريباً، أو أنه يراوح في مكانه في لعبة سيزيفية مضجرة، وهذا ما انعكس على كتابات بعضهم، إذ أنها تدور في فضاء ضيّق وكتيم، حتى أن عدنية شبلي نفسها، توضح أن قصصها تفتقد إلى الفضاء المفتوح، من دون أن تقصد ذلك، وإذا بها أثناء صعود درج بيتها تخشى أن تجد حاجزاً في مواجهتها، وحين تفكر بالخروج من البيت تخشى ألا تعود إليه مرةً أخرى، إذ ببساطة يمكن أن يوقفها حاجز وتقع في مشكلة طارئة، ثم أن مغادرة البيت تعني الفقدان. فقدان الملاذ والمكان، فعدا هذه الرقعة الصغيرة، هي لا تمتلك مصيرها على الإطلاق.