إحراق الأوراق الثقافية: الأشباح

في مسرحية «الأشباح» لهنريك إبسن يحمل الابن مرضاً سرياً من والده العربيد، ويقتحم الماضي الحاضر بقوة ويدفع الإبن ثمن أخطاء والده كبطل تراجيدي بامتياز، بتلك القدرية التي تحكمه وكل الأحداث التي تجري في المسرحية يستمر العمل في مواجهة عاطفة الأم كما كتب في مقدمة المسرحية التي ترجمت في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت،

بعيداً عن القصة الملخصة التي  قدمت لهذه المسرحية فإنها تعتبر واحدة من أهم الأعمال التي قدمها إبسن لأوربا ومفصلاً مهماً في تاريخ التطور الاجتماعي في أوربا والعالم، إلاّ أنني أقترب أكثر من الرأي الذي يقول أن هناك صراعاً أقوى في هذه المسرحية ليست الأم طرفاً فيه أبداً هذا الصراع بين ذلك الماضي الأثيم للآباء والمرض الموجود بالضرورة عند الابن كحتمية اجتماعية، بمعنى آخر أن كل جيل يحمل في داخله أمراضاً موروثة عن الجيل الذي قبله، من أبوة شرعية أو غير شرعية لهذا الجيل أو ذاك وفي كل مرحلة تمر فيها هذه الأجيال، إلاّ أن المرض الذي تجسد في المرض الجنسي الذي حمله الابن في مسرحية الأشباح يعتبر تمثلاً لمجموعة من الأمراض الاجتماعية والأخطاء التي تنتقل من جيل إلى جيل في أكثر من مستوى (سياسي - ثقافي - اقتصادي.. إلخ) ولا يستبعد هذا الطرح عند إبسن الذي تناول موضوعات مشابهة في عدد من الأعمال في مراحل سابقة من تاريخه الأدبي أو في المرحلة نفسها التي تنتمي إليها هذه المسرحية كـ (أعمدة المجتمع، البطة البرية وغيرها من المسرحيات)، ومن هذا المنطلق فإن الأشباح التي عنونت بها المسرحية والتي تسبح في فضاء البيت ليست إلاّ أشباح مجموعة الأعراف والتقاليد التي حكمت ولازالت تحكم أركان هذا (البيت/ المجتمع).

نستطيع أن نسحب هذه الرؤية في العديد من مسرحيات على الواقع وبالعكس إلى المسرح مرة أخرى، فكم من الأمراض التي تعتمل في دواخلنا، على أكثر من صعيد نحن بأمس الحاجة لأن نجد الخلاص منها، كم هو كبير ذلك الكم من الأعراف والتقاليد، القوانين، الثوابت/الخاطئة، و الهزائم التي نحملها في دواخلنا من آبائنا، كم من الصراعات التي علينا أن نخوضها لنخلص من مخاضات متأخرة في ولادتنا، لننتقل مرة أخرى إلى مخاضات جديدة لنحلص من تشوهات ولادتنا.

■ عمرو سواح

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أُغلق تحرير هذا العدد مساء يوم الأربعاء في

20/ 11/ 2002

 

«قاسيون» معكم دوماً من أجل: «الدفاع عن الوطن، والدفاع عن لقمة الشعب»! ومن أجل «الحفاظ على وجه الحزب المستقل»!