سحبان سواح: لم أتوقف يوماً عن كتابة القصة القصيرة الدراما السورية في سوق البورصة

■ «الوصية» عمل جُرِدَ من مضمونه الفكري

■ توجهنا لنشر تاريخ غسيلنا الوسخ تلفزيونياً

■ بعض مخرجي التلفزيون تحولوا إلى الإخراج بعد أن فقدوا قدرتهم على الدبكة

سحبان سواح واحد من كتاب القصة القصيرة الهامين في سورية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، أخرج 4 مجموعات قصصية هي «طعم الملوحة»، «الموت بفرح»، «حب في الستين»، «صباح الخير أيها الحزن»، أسس في الثمانينات مجلة كتب عربية، وفي بداية التسعينات كانت له تجربة ثقافية أخرى مختلفة وجديدة استطاعت أن تحدث ضجيجاً في الأوساط الثقافية هي مجلة «ألف» التي أسسها وأطلقها وأدارها وخرج بها بمجموعة كبيرة من الأسماء الأدبية التي لا تزال متواجدة على الساحة الأدبية إلى الآن، لا تتوقف علاقة سحبان السواح بالكتابة فقط فقد عمل على مشروع ثقافي متكامل إلاّ أن تراجع المشروع الثقافي أدى إلى أن ينزح مع عدد كبير من الكتاب إلى مجال آخر من الكتابة وهو الكتابة للتلفزيون، بعد تجربته الأخيرة (الوصية) والتي ظهرت على الشاشة في شهر رمضان كان هناك مجال للحديث معه عن كواليس العمل التلفزيوني والمشكلات والعوائق التي تواجه الكتاب عموماً.

■ كيف تقيم مسيرة الدراما السورية، وما هي آفاقها؟

■■ الدراما السورية مرتجلة  كالكثير من النتاجات في سورية،  لا قواعد ولا أعراف تحكمها ولا قوانين. رؤوس أموال  كانت تعمل في العقارات قبل الانفتاح المقنن، ومع بداية هذا الانفتاح تحولت رؤوس الأموال تلك لتعمل إما في مصانع استهلاكية تدر ربحا سريعا أو في شركات استيراد وتصدير تستهلك العملة الصعبة وتخفض سعر الليرة السورية أو شركات إنتاج درامي  تطمح للربح السريع توقف معظمها بعد أول إنتاج لها بسبب بطء دورة رأس المال في الإنتاج التلفزيوني. من هذا المنطلق، وإذا لم تتدخل وزارة الاعلام مدعومة من مجلس الوزراء والجهات المختصة لإيجاد طريقة لدعم هذه الصناعة (وهي الأهم في جلب القطع النادر) فإن النهاية قريبة، شركات تتوقف عن العمل، شركات تخفف من إنتاجها، وشركات جديدة تسجل وتنتظر تكليفها بعمل كمنتج منفذ لرأسمال عربي سيتدخل حتما في نوعية الأعمال التي ستقدمها كما حدث في السنتين الأخيرتين حيث كان التوجه لنشر غسيلنا التاريخي الوسخ في مرحلة نحن بأمس الحاجة لتبيض ذلك التاريخ وليس لتقديم الشر الذي حمله، مستبعدين أية بقعة ضوء فيه.

■ بعد تجربة زاخرة في مجال القصة القصيرة في الستينات والسبعينات، شكلت إسماً هاماً في مجال كتابة القصة القصيرة لكنك تحولت إلى كتابة السيناريو فيما بعد فلماذا؟

■■ لم أتوقف يوماً عن كتابة القصة القصيرة، لكن لدي موقف من نشر ما كتبته في المرحلة الأخيرة لا مجال للحديث عنه الآن. أما عن تحولي لكتابة السيناريو فقد تعلم جيلنا  أنه قادر على تغيير العالم بقلمه، وذلك قبل أن تهاجمنا خيبات الأمل الواحدة تلو الأخرى لتعلمنا بأنه لا أحد قادر على تغيير العالم غير القوى الكبرى التي تملك المال والسلاح، لذلك وكما كل أبناء جيلي كان لدي أحلام عن تغيير العالم ، ومع القناعة التي بدأت تترسخ بأن عدد مشاهدي التلفزيون هم أكبر بكثير من قراء القصة القصيرة فقد فكرت أنني أستطيع أن أغير العالم بقلمي ولكن عن طريق الكتابة للجماهير العريضة من مشاهدي التلفزيون ولا أنكر أن للجانب المادي أثراً في هذا التحول.

■ ما الذي حدث؟ هل استطعت تحقيق أحلامك في تغيير العالم؟

■■ إن كنت تريد أن أنظّر لك عن حاجة الشاشة العربية لكتاب ذوي خبرة في الكتابة الدرامية وذوي باع طويل في الثقافة والعلم  .. فإنني يمكن أن أستعير لك كليشهات لها أول وليس لها آخر من تلك التنظيرات والخطب العصماء حول هذا الموضوع ولكني لن أفعل بل أقول باختصار أنه لا أحد يريد لتلك الشاشة أن تكون مصدر ثقافة وبث فكر تنويري في المنطقة.

■ لكنك استمررت بالكتابة للتلفزيون، فهل واجهت صعوبات أخرى؟

■■ لا أنكر أنني بدأت الكتابة  بعد أول دعوة وجهها وزير إعلام سوري  للأدباء والكتاب للكتابة لهذه الوسيلة الإعلامية الخطيرة والدعوة نفسها التي توجه بها جميع وزراء الإعلام الذين تولوا هذا المنصب لاحقاً والمدراء العامون الذين توالوا على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لكن الخيبات تتابعت مع أول تجربة لي ولأول تجربة لكتاب وأدباء غيري، وأولى الخيبات كانت دائماً مع دائرة الرقابة التابعة لمديرية الانتاج في التلفزيون العربي السوري فكل نص يكتبه كاتب مشهور -باستثناءات قليلة- يقرؤه قارئ نصوص مغمور. وبتفصيل أكثر فإن معظم -ولن أقول جميع - موظفي الرقابة بالتلفزيون جاؤوا من دوائر تابعة لوزارة الإعلام أو الثقافة بعد أن أبعدوا عن تلك الدوائر لهذا السبب أو ذاك  دون أية دراية أو خبرة، بكتابة الدراما أو كتابة الأدب، أو حتى الكتابة. هم ببساطة موظفون تم رميهم في هذه الدائرة وكأنها مزبلة التلفزيون، (دائرة رقابة النصوص التلفزيونية) حتى صار الحل والربط بيدهم، وكانت تلك هي فرصتهم للانتقام لهزائمهم الشخصية على أكثر من صعيد من الكتاب والمبدعين الذين حسب تعبيرهم (يرفعون  مناخيرهم على الفاضي) فرُفضت الكثير من النصوص على أساس أنها غير صالحة للإنتاج في القطاع العام،  وبالتالي تحول القطاع العام  إلى منتج ثانوي بعد أن كان المنتج الأهم لأهم الأعمال التلفزيونية السورية. والحقيقة الآن  أصبحت واضحة للعيان فمعظم الأعمال الهامة والتي لقيت صدى عند مشاهدي التلفزيون العرب كانت من إنتاج القطاع الخاص ومعظم الكتاب الذين لبوا الدعوة عادوا خائبين ولم تقبل نصوصهم. وربما كانت قصة  مسلسل هجرة القلوب للقلوب للكاتب والروائي السوري الكبير الأستاذ عبد النبي حجازي من القصص المعروفة في هذا المجال قد رفض هذا المسلسل أكثر من مرة. ولم يتم تنفيذ العمل إلا بعد أن أصبح الأستاذ حجازي مديرا عاما  وأعتبر العمل حينها من جميع النقاد بأنه من أهم المسلسلات العربية. وأعتقد ولست جازما أن الكاتب المسرحي والأديب د.رياض عصمت قد عانى أيضا من دائرة الرقابة ورفضها لنصوص له  قبلاً، وهاهو الآن مدير عام للتلفزيون، إلاّ أن الأمر مختلف قليلاً مع الدكتور عصمت الذي كانت له فرصة الانتقال للقطاع الخاص وتقديم عدد من السيناريوهات.

■ لكن كما ذكرت استمر معظم أولئك الذين رفضت نصوصهم في الكتابة، ؟

■■ الكاتب طيب النية وقد اعتبر الكتابة للتلفزيون مهمة وطنية وعربية يقوم بها الكاتب لنشر الوعي والثقافة عبر مسلسله، وهي التي دفعتنا للتحدي والاستمرار وكان القطاع الخاص قد بدأ عمله وطيبتنا جعلتنا نقتنع بأن التعامل مع القطاع الخاص سيكون أسهل  وبالفعل فإن التعامل مع القطاع الخاص كان أسهل من ناحية ولكن له سلبياته من جانب آخر.  فالمنتج بالنهاية تاجر يريد لسلعته أكبر مساحة للربح وأكبر أسواق للانتشار لذلك يصبح رقيبا اسوأ من الرقيب الأمي في التلفزيون وهنا تبدأ الممنوعات.  فهذا ممنوع في الدولة الفلانية .. وهذا عدله فالدولة العلانية  ترفضه، وممنوع .. وممنوع .. وممنوع  فيعدل الكاتب،  ويعدل ، ويعدل حتى أسماء  الشخصيات يتدخلون بها فقد عدلوا لي أسم أحد أبطالي في مسلسل الوصية الذي عرض مؤخرا من فهد إلى فريد وذلك تخوفا من أن يمنع في السعودية  وهكذا دواليك قائمة طويلة من الممنوعات والمحظورات  ليفقد العمل جزءا مهما من الأفكار التي أراد الكاتب  أن يوصلها للمشاهدين.

■ ألا تعتقد أنه كان عليكم أن تتوقفوا .. فلماذا تابعتم الكتابة ؟

■■ التحدي .. دائما كنا نقول أنه مهما كان القدر الذي نستطيع تقديمه من فكر وثقافة خلال مانقدمه من أعمال درامية فإن تراكمه سيكون مفيدا . وفي الوقت ذاته سيبعد المتطفلين على الكتابة الدرامية

■  هل نجحتم أو هل استطعتم تحقيق جزءاً من طموحاتكم ؟

■■ بالحدود الدنيا جدا ..

■  هل هناك أكثر من تلك المعوقات؟

■■ لا تتوقف المنغصات. فبعد كل ممنوعات المنتج يأتيك المخرج وهنا الطامة الكبرى. وقبل أن أنقل معاناتي ومعاناة كتاب السيناريو الآخرين مع المخرجين  أود أن أتوجه بسؤال لوزارة الإعلام: ما هي القوانين التي تجيز لوزير الإعلام إعطاء صفة مخرج وهي علمية وأكاديمية بالأساس لموظفين تدربوا كمخرجي منوعات أو مساعدين لمخرجين. بعد أن جاؤوا من إدارات لا صلة لها بالعمل التلفزيوني، بعضهم نقل من فرقة أمية للفنون الشعبية بعد أن فقدوا قدرتهم على أداء مهماتهم في الدبكة  والرقص، وبعض آخر هم  أبناء موظفين في التلفزيون أوجدت  لهم وظائف بالواسطة وبأشكال أخرى، وبقرار من وزير الإعلام يرقى هذا الموظف المتمرن إلى رتبة مخرج. ويبدأ بتقديم إبداعاته للمشاهدين العرب كاتباً اسمه أكبر من اسم الكاتب. لدينا في ساحة العمل الدرامي التلفزيوني مخرجون درسوا الإخراج أو درسوا التمثيل في الخارج، بالإضافة إلى المخرجين الأوائل والذين قام التلفزيون في بداياته على أكتافهم فأبدعوا على قدر ما يستطيعون. هؤلاء يحق لهم التدخل في النص الدرامي الذي بين ايديهم ، فيطلبون من الكاتب أن يغير في دور أو في خط درامي وبعد نقاش إيجابي ولمصلحة العمل ولمصلحة الطرفين. لكن حين يكون المخرج غير مثقف بالأساس ولا يملك أية مؤهلات دراسية فكيف يسمح له بالتدخل، بالرضا أو بالفرض. أو بالتهديد، ولعل  تجربتي في مسلسلي الوصية جزء من معاناة الكثير من الكتاب. فبعد أن طلب مني قارئ النصوص في (شركة محمد خير العقاد) وهو رجل ذو ثقافة عالية المستوى بعض التعديلات بعد نقاش عالي المستوى، كنت مقتنعا بها. ليكلف بعد ذلك نذير عواد بإخراج العمل فقرأه وابلغ المنتج أنه على استعداد لإخراجه وهذا يعني أنه مقتنع بالمادة الدرامية التي بين يديه، وأنه إذا أراد أن يعدل شيئا فإنه ضمن المعقول فما الذي حدث. بقينا شهرين نتناقش أحاول جاهدا اقناعه بوجهة نظري ولكنه لايقبل بها ويصر على تعديلات تسيء إلى الطرح الذي أردته في العمل، ولم تكن في نيتي أن أسيء للمنتج أبو الخير العقاد الذي كان في كل الأوقات منتجاً متفهماً وكريماً، لم يبخل على إنتاج العمل بل أعطاه،  لأنه يريد أن يقدم الأفضل وهذه واحدة من إيجابياته كمنتج، أما سلبيته الوحيدة هي اختياره لنذير عواد مخرجا.

■ وكيف خرج العمل في النهاية؟

 

■■ بعد أن أخبرني العواد بأنه انتهى بهذا الشكل من التعديل، قام بالالتفاف علي وطلب مع مدير إنتاج العمل بالاستمرار في تعديل العمل وكان من تصدى لهذه المهمة الجليلة ممثل فشل في تحقيق مشروعه في المسرح، فانتقل يحلم في نجومية مسلسلات الأطفال ففشل، فما كان منه إلاّ أن ينتقل إلى الكتابة التلفزيونية لكنه أيضاً فشل، وأضاف إلى ذلك محاولته في أن يعمل معلماً مسرحياً ففشل، عندها وقع نصي أمامه مع مخرج العمل نذير عواد الذي كان قد خرج من توه من عمله كمساعد مخرج مع المخرج رياض ديار بكرلي في عمل من إنتاج التلفزيون العربي السوري.  معادلة قوامها ممثل  فاشل، ومخرج منفذ تحول بقدرة قادر إلى مخرج سيعدلون عملا تعبت في كتابته أكثر من سنة وفي دراسة شخصياته ومحاوره. فما الذي حصل قدم العمل ممسوخا. فارغا من أية مقولة ثقافية، والذي أحبه المشاهدين فيه على الحبكة المتينة التي كنت صنعتها ولكن لأقدم  أفكارا ومقولات من خلالها. لقد مسخ عملي، قد يقول قائل بأنه نال على ممتاز في رقابة التلفزيون السوري أقول أيضا بسبب الحبكة المتينة التي بنيتها وتعبت عليها، لماذا فعل نذير عواد ذلك ليفيد صديقه الممثل جهاد الزغبي ويحول دورا ثانويا لدور هام لزوجته ضحى الدبس وغير مبرر في زمن العمل الافتراضي، ولا أنكر هنا أن الفنانة الكبيرة ضحى الدبس قد قدمت دورا من أهم أدوارها الفنية وكانت مخلصة للعمل ولدورها فيه.