منابر الثقافة ومشاريع التفتيت الغادرة

وقف الكاتب والمخرج أشرف أبو جليل في قصر «المانسترلي» أثناء توزيع جوائز مؤسسة سويرس معترضا على منح المؤسسة الكاتب «حجاج أدول» جائزة الرواية، مستنكرا خطاب هذا الكاتب النوبي – أي «حجاج أدول» - المهين للنوبة والشعب المصري الذي ألقاه أمام المؤتمر القبطي الذي عقد في واشنطن ما بين 16 - 19  نوفمبر.

 

 

وكانت جريدة أخبار الأدب قد نشرت ذلك الخطاب الذي لا يفهم منه سوى أن لـ«حجاج أدول» مشروعاً شخصياً مربحاً – ينتقل به من الكتابة الأدبية إلى النشاط السياسي – وهو النشاط الأقدر في أيامنا على دفع الشخص بسرعة إلى دائرة البريق والمال. إن أكاذيب أدول واضحة منذ البداية، فهو لا يكتفي في خطابه بالمطالبة بحقوق النوبيين، لكنه وفقا للمخطط الأمريكي يدعو إلى:  «تكامل مصري سوداني» لأن مشاكل النوبة تكاد تتطابق سواء في مصر أو السودان. أي أنه يدعو لإقامة كيان منفصل ينشأ باقتطاع أجزاء من مصر والسودان وفقا أيضا للمخطط الأمريكي، ويؤكد ذلك بقوله: «نريد مع نوبيي السودان تمهيد نهر ثقافي». ولهذا فإن صيحته على حد قوله: «موجهة أساسا إلى الشعبين المصري والسوداني» فهي إذن لا تعالج مشكلات النوبة باعتبارها قطعة من مصر. وبالطبع لا يفوت أدول أن يتحدث عن «المظالم العنصرية والتطهير العرقي»؟! وهو يتكلم  عن ذلك بنبرة صارخة أقرب إلى التمثيل الميلودرامي الرخيص حين يقول: «إذا أردتم إتمام ذبحنا فلتذبحونا ونحن نقاوم بشجاعة تحت سمع العالم وبصره». ولا يستنكف أدول – كعادة كل مناضلي هذه الأيام – أن يدعو أمريكا للتدخل قائلا: «على الأقليات أن ترفض الإذلال» والآن لاحظ بانتباه جملته التالية:  (وفي العصر الحالي تستطيع الأقليات اتخاذ القوى الإنسانية العالمية كقيمة مضافة لانتفاضاتها الداخلية)، أي أن بوسع الأقليات أن تستعين بقوى خارجية. ولأنه ليس للكذب أقدام، فإنه سرعان ما يقع. ويتضح هذا حين يقول أدول: (النوبيون والسود عامة ممنوعون من الظهور في التلفزيون المصري) ملفقا بجرأة يحسد عليها فكرة أن هناك تمييزاً في مصر على أساس اللون مع أن نصف الشعب المصري من السمر والسود! وباختصار فإن خطاب أدول خطاب من النوع الرخيص، يقدم به شخص نفسه إلى مناطق النفوذ الأمريكية لا أكثر. وقد تولى الكاتب الكبير يحيي مختار – وهو نوبي – تفنيد أكاذيب أدول، ونبهه إلى أن أحداً من أهل النوبة ومثقفيها لم يفوضه في هذا الحديث، وهو ما قام به أيضاً كتاب نوبيون آخرون. وقد يكون من الضروري الإشارة إلى أن المثقفين المصريين يؤيدون تعليم وتدريس اللغة النوبية، وتدريس التاريخ النوبي، ومنح التعويضات الكافية لأهل النوبة وغير ذلك من حقوق. لكن ذلك لا يتم باستدعاء الاستعمار الأمريكي إلى مصر ولا بفصل النوبة عن مصر وفقا للمشاريع  الإسرائيلية، وإنما في إطار حركة عامة تغير وجه المجتمع المصري إلى الأفضل. الغريب أن «أدول» الذي تحدث في خطابه عن العولمة، والقوى الإنسانية العالمية، لم يفتح فمه بحرف عن الاحتلال الأمريكي للعراق، أو التهديد الأمريكي لسورية، وإيران أو التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل ضد فلسطين، رغم أن الموضوع الأخير يتقاطع مع فكرة أدول المزعومة عن «التطهير» الذي يتحدث عنه. الأكثر من ذلك أنه لن يفتح فمه لا  الآن، ولا فيما بعد عن شيء من ذلك، فهذا كله لا يندرج حسب مفهومه في إطار حركة «القوى الإنسانية العالمية» التي تلقى أدول دعوة منها إلى واشنطن. وأدول مجرد مثال على قدرة وحركة الأموال الأمريكية الضخمة التي تدفقت لتمويل جماعات حقوق الإنسان، والأفراد، من أجل خلق نخبة تابعة، وهو المخطط الذي لا تخفي وكالة المخابرات الأمريكية شيئا من تفاصيله، وتروج له بعنوان:  «نشر الديمقراطية».

وقد رحب المثقفون دوما بكل مؤسسة تستطيع أن تقوم بدور في تنشيط الاهتمام بالأدب. وأسعدنا جميعا أن يفوز قصاص مصري لامع وباهر مثل محمد المخزنجي بجائزة مؤسسة سويرس عن القصة القصيرة، وأن يفوز معه كتاب موهوبون آخرون من زملائنا بجوائز أخرى. لكن أحدا لم يكن يتوقع من مؤسسة ساويرس أن تكرم أدول بعد خطابه ذلك، بحيث يصبح منحه  الجائزة تقديرا لخطابه في واشنطن. وكان من الطبيعي أن يعترض الكاتب أشرف أبو جليل على منح أدول تلك الجائزة، ولم يكن من الطبيعي أبدا أن يصيح فيه سويرس «اخرس»، أو «اسكت». والإهانة التي وجهها رجل الأعمال المصري سويرس للكاتب أشرف أبو جليل هي إهانة لكرامة جميع الكتاب والأدباء. ولسنا بحاجة لتذكير أحد بالفرق الضخم بين جامعي الأموال من عرق الناس، وبين الكتاب والشعراء الذين يريدون للناس غدا آخر، ومجتمعا آخر. ولاشك أن حركة الثقافة المصرية ليست بحاجة الآن لاضطهاد إضافي من «قوى المال» المقنعة بالليبرالية. وعندما يتحدث الكتاب فإن على الجميع أن ينصتوا إليهم باهتمام واحترام بالغ، لأن هذه هي قيمة الكاتب  وهي قيمة كبرى خارج أسواق البورصة والعقارات، إنها القيمة التي صانت للتاريخ اسم طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم وأهملت مئات الأسماء لوزراء ورجال أعمال لا يذكر أحد شيئا عنهم.  

أحمد الخميسي

 

كاتب مصري