مهرجان دمشق السينمائي الدولي هل يصبح دوليا فعلا؟
يسعى مهرجان دمشق السينمائي، رغم محدودية إمكاناته، لانتزاع صفة «الدولية» لدوراته المتعاقبة لا سيما الأخيرة منها، ويرفع شعارات هذا المطمح:
«السينما تجدد شبابها – دمشق تحتضن العالم – تحيا السينما»، وتحاول المؤسسة العامة للسينما، مدفوعة بهذه الرغبة - الحلم، تأمين كل الظروف المناسبة لإنجاح هذا العرس السينمائي :
تدعو ضيوفاً كباراً، وتنتقي أفلاماً هامة، وتقيم تظاهرات عديدة تكاد موضوعاتها أن تشمل معظم المدارس والتجارب السينمائية في العالم، نذكر منها على سبيل المثال:
تحف السينما العالمية، السينما الصينية، أفلام السيرة الذاتية، سوق الفيلم الدولي، الأفلام الحائزة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، تظاهرات للمخرجين: الإيطالي فيسكونتي- الياباني كيرو ساوا – الروسي شاخنازاروف.
ومع الكثير من النجاح المنتظر من هذه الدورة، تلمس المتابعون والمهتمون بعض الزلات تم تسجيلها تحديداً في حفل الافتتاح:
1. الغياب اللافت للكثير من الفنانين عن حفل الافتتاح وعن فعاليات المهرجان عموماً، وبالسؤال عن السبب قال البعض: «المهرجان موإلنا»!
2. في حين أصر بعض النجوم الشباب على الحضور متأبطاً ذراع صديقته والظهور أمام عدسات التلفزيون وكاميرات المعجبين لأخذ الصور التذكارية!
3. غابت في كثير من الأحيان الصورة المنقولة عبر شاشتي العرض المستخدمتين كجزء من الديكور، وبحضورها بدت هائمة تبحث عن وجه تعرفه بين وجوه كثيرة منها لضيوف وأخرى لمضيفين وثالثة تكاد تشابه كاميرا تنظير المعدة التي تخترق الأحشاء.
4. مع بداية العرض الافتتاحي للفيلم البلجيكي «الطفل» والحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان، خرج معظم الضيوف والمضيفين مع انتهاء مراسم الافتتاح الرسمية، فيما تابع البقية الفيلم على وتيرة متصاعدة للإضاءة تارة ومنخفضة تارة، وكأن العاملين والفنيين في قصر الأمويين للمؤتمرات المتعبين فعلاً بعد يوم عمل طويل، أرادوا «تطفيش» الناس ليخلدوا إلى الراحة!!
عروض اليوم الأول
1. الفيلم الألماني «الحب بالأفكار»
يتطرق الفيلم لمقولة «لا حياة بلا حب»، إذ يقدم شابان على تأسيس نادٍ للانتحار على اعتبار أننا غير جديرين بالحياة إن نحن لم نحب، وبالتالي علينا الاقتصاص ممن يحرموننا هذا الحق، ويمثل هذا الفيلم نقداًً صريحاً للفكر الإباحي والعلاقات الجنسية الشاذة والنهاية المحتومة لقيم الاغتراب .
2. الفيلم السوري «العشاق»
يدخل حاتم علي بفيلمه السينمائي – التلفزيوني على استحياء إلى العالم الواسع للفن السابع .
الفيلم المستنسخ عن المسلسل الرمضاني «أحلام كبيرة» بكل تفاصيله ما عدا استبدال بسام كوسا وسمر سامي بـ حسن عويتي وسلمى المصري، لم يستطع إبهارنا كما فعل المستنسخ عنه، والسبب يعود لاستخدام المسلسل لتقنيات سينمائية «حركة الكاميرا – زوايا التصوير»، بينما كان الحال في فيلم العشاق أشبه بمن «يبيع المي بحارة السقايين»، ناهيك عن صغر مساحة دور سلمى المصري والذي اضطرنا لعقد مقارنة مجحفة بحقها بعد أن انطبع في أذهاننا الأداء المتميز على مساحة العمل لـ سمر سامي.
3. الفيلم الصيني «رسالة من امرأة مجهولة»
تثبت السينما الآسيوية – مرة أخرى – قدرتها على مقارعة الكبار في عالم السينما، إذ يأتي هذا الفيلم بلغة سينمائية عالية التقنية ومفردات معاصرة للتعبير عن واقع أصيل.
كل ما في الفيلم لافت للنظر والسمع، من سيناريو مشغول بعناية إلى تصوير عالي الأداء، حتى بدا في كل لقطة عملاًً تشكيلياً مستقلاً ومتناغماً مع اللقطات الأخرى، ليحقق بذلك فرجة مشهدية رائعة. ومع كل لحظة نتقدم بالفيلم للدخول إلى عوالم النفس البشرية مع ارتفاع إيقاعات الموسيقى الصينية.
يبدأ الفيلم برسالة تصل إلى كاتب مشهور من امرأة مجهولة تستدعي ذاكرته وعلاقاته المتعددة، تروي الرسالة قصة حب امرأة للكاتب منذ يفاعتها وعلى امتداد مراحل حياتها، وتدخّل القدر في كل مرة لإنهاء هذه المرحلة وإبعادهما بعضهما عن بعض.
عروض اليوم الثاني
1. البلد الجميل – فيلم من إنتاج مشترك « الولايات المتحدة – النرويج»
من جديد، أمريكا وفيتنام ومأساة الهجرة إلى العالم الجديد الحر!
يسلط الفيلم الضوء على المواليد الفيتناميين لآباء أمريكيين وأزمة الهوية لديهم بعد أن ينبذهم مجتمعهم.
يروي الفيلم قصة شاب يتعرف على كافة أشكال الاضطهاد والظلم بدءاً بأبناء قريته النائية الوادعة، إلى العائلة الثرية في سايغون حيث تعمل والدته، ومعسكر اعتقال المهاجرين في ماليزيا ومقتل أحد السجناء بوحشية، والظروف القاسية على متن سفينة الهجرة (غير الشرعية) وصولاً إلى موت الحلم بوصوله إلى أمريكا البلد «الجميل»: حيث العمل بظروف أشبه بالعبودية ثم مأساة والده الجندي الأمريكي الذي فقد بصره في فيتنام وانتهى به المطاف قابعاً في بقعة نائية في الغرب الأمريكي عاملاً، بالكاد يستطيع تأمين قوت يومه.
2. فيلم «بابا عزيز» للمخرج التونسي الناصر الخمير
يطالعنا الفيلم منذ البداية بمقولة:
إن الطرق إلى الله تتعدد بتعدد نفوس الخلائق..
يمتزج هنا البعد الفلسفي للوجود بأتون المكان والزمان اللا متناهيين ليحقق متعة بصرية فوق حسية عالية.
فيلم يحكي عن التصوف مشغول بحس سوريالي عالي، تتصاعد فيه موسيقى الداخل الإنساني الشفاف لتعانق موسيقى أناشيد الدراويش في العشق الإلهي.
حكاية عن الدراويش الذين وإن بدوا للآخرين هائمين على وجوههم، إلا أنهم سائرون في طريقهم لا يحيدون عنه وصولاً إلى المبتغى.
مصطفى العقاد.. الحاضر أبداً
على هامش المهرجان أنتجت المؤسسة العامة للسينما فيلماً وثائقياً حمل عنوان «مصطفى العقاد – الاكتمال المدهش»، تكريما وامتناناً وعرفاناً بالجميل لابن بار من أبناء سورية، في حين توضع اللمسات الأخيرة على فيلم مشابه في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
العقاد الذي أثار جدلاً كبيراً فينا بغيابه، كان قدا أثار في حياته جدلاً قد لا يكون واسعاً حول أهمية مشروعه وقيمته الفنية بين سلسلة أفلام الرعب «هالووين» منذ العام 1978 وأفلام السيرة الذاتية لصفحات مضيئة في تاريخ العرب والمسلمين بدأها بـ «الرسالة 1976» و «أسد الصحراء: عمر المختار 1981» فيما منعته الأيدي السوداء الآثمة من متابعة مشروعه في «صلاح الدين» و «أمير الأندلس».
استطاع العقاد – مشرقي البذرة والتنشئة – اختراق الفكر الغربي والولوج إلى عالم السحر وماكينة صناعة الرأي العام مشفوعاً بتربية أصيلة وبامتلاك أبجديات الثقافة البصرية ولغة التواصل مع الآخر بمفردات يستطيع أن يفهمها الغرب والشرق.
يقول في فيلمه «عمر المختار»:
«كان عمر المختار أستاذاً في القرية إنساناً حكيماً ومسالماً، وقد مال إلى السلاح دفاعاً عن الوطن والعقيدة.
أي مشاهد في أي مكان في العالم سيتلاقى وهذا البطل وسيؤيده، كما قدم في هذا الفيلم صفحة من التاريخ كانت مجهولة بالنسبة للعالم المعاصر:
«كنت أريد مواجهة ادعاءات أننا شعب مهزوم لا يقاتل ولا ينتصر، وأردت أن أوضح معاناتنا من الاحتلال الفاشي ومعسكرات الاعتقال والتعذيب كما عانى اليهود».
إن اغتيال العقاد يضعنا أمام مشروعين، تنويري وظلامي:
يضع الأول على عاتقنا – ما أمكن – تقديم صورة ذهنية ناصعة في بحر ظلمات هوليود وما تنتجه قرائح المتصهينين أو الجاهلين بحقائق الأمور.
فيما يشن الثاني حرباً دون كيشوتية - ذاتية تصرع أبناء الأمة، فيرتد الكيد والغيظ في نحورنا.
■ الحسين نعناع