«الكتاب الأسود للرأسمالية» حقائق مرعبة!

صدر مؤخراً عن دار الطليعة الجديدة بدمشق كتاب «الكتاب الأسود للرأسمالية»

يضم الكتاب أبحاثاً للعديد من الباحثين الأوربيين الذين يقدمون شهادات موثقة عن جرائم النظام الرأسمالي، ويقع الكتاب في 440 صفحة من القطع الكبير، وفيما يلي مقدمته بقلم الباحث «جيل بيرو»:

طوبى للرأسمالية! إنها لا تعلن شيئاً ولا تعد بشيء. لا بيان ولا تصريح يبرمج السعادة أو يعد بتحقيقها. إنها تسحقك، تنتزع أحشاءك، تستعبدك، تضطهدك، وبوجيز العبارة تحبطك؟ لك الحق في أن تكون تعساً، إلا أنه لا حق لك، أبداً، في الإحباط لأن الإحباط يفترض أن هناك التزاماً تعرض للخيانة. والذين يعلنون عن أيام أفضل وأكثر عدالة يتعرضون للاتهام بالخداع عندما تغرق محاولتهم في جعجعة بشعة.

أما الرأسمالية فهي، من جانبها، فعل يجري تعريفه، بحكمة، في الحاضر. أما بشأن المستقبل؟ فهي تتخلى عنه، طواعية، للحالمين والعقائديين والإيكولوجيين. ولذلك، فجرائمها شبه كاملة.

فما من أثر مكتوب يثبت القصد والتعمد. من السهل على الذين لا يحبون الثورات أن يجدوا مسؤولين عن إرهاب 1793: هناك عصر الأنوار والإرادة الخرقاء، وإرادة تنظيم المجتمع وفقاً للعقل الذي يحاكم. بالنسبة للشيوعية، فإن المكتبات تنهار تحت ثقل كتبها القابلة للإدانة. لا شيء من هذا بالنسبة للرأسمالية.

إذ لايمكن اتهامها بصنع التعاسة بعد ادعائها جلب السعادة. وهي لا تقبل أن تحاكم إلا بموجب ما يدفعها منذ الأزل: السعي وراء الربح الأقصى في الحد الأدنى من الزمن. الآخرون يهتمون بالإنسان. أما هي فمشغولة بالسلعة. هل رأينا، قط، سلعاً سعيدة وأخرى تعيسة؟ الموازنات الوحيدة المقبولة هنا هي الموازنات الحسابية. والحديث، بصددها، عن ارتكاب جرائم أمر يفتقر إلى الفطنة. لنتحدث، بالأحرى، عن الكوارث الطبيعية ولكنهم يلقنونك بدرجة كافية: أن الرأسمالية هي الحالة الطبيعية للإنسانية. الإنسانية في الرأسمالية كالسمكة في الماء. ويقتضي الأمر وقاحة الأيديولوجيين التافهة من أجل إرادة تغيير نظام الأشياء بسبب النتائج الدورية المؤسفة التي نعرفها: الثورة، القمع، الخيبة، الحسرة.

تلك هي، حقاً، خطيئة الإنسان الأصلية: إنها ذلك المزاج القلق الأبدي الذي يحمله على خلع النير، الوهم الوجداني، وهم مستقبل متحرر من الاستغلال، ادعاء تغيير النظام الطبيعي. لا تتحركوا: الرأسمالية تتحرك من أجلكم.

ولكن للطبيعة، حقاً، كوارثها. وكذلك الرأسمالية. فهل ستمضون للبحث عن المسؤولين عن هزة أرضية، عن أمواج متلاطمة؟ الجريمة تقتضي، فضلاً عن ذلك، وجود مجرمين. من السهل، بالنسبة للشيوعية، وضع بطاقات بالأوصاف الشخصية لدعاتها: رجلان ملتحيان، واحد بعثنون1، وآخر بنظارتين على الأنف، وشاربين، واحد يعبر اليانغ- تسو- كيانغ سباحة، وآخر هاو للسيجار الخ... يمكنك أن تكره هذه الوجوه. أما بالنسبة للرأسمالية، فلا توجد سوى قرائن: داو جونز، كاك 40، نيكاي الخ...

حاول أن تكره قرينة إذن. لإمبراطورية الشر، الشيوعية دائماً، منطقة جغرافية، وعواصم. إنها تقبل التحديد والكشف عنها. أما الرأسمالية، فهي في كل مكان وليست في أي مكان. فلمن توجه إذن استدعاءات المثول أمام محكمة محتملة، مثل محكمة نورمبرغ؟

الرأسمالية؟ كلمة مهجورة تسعر النار! ضعوا أنفسكم إذن في العصر واستعملوا الكلمة المناسبة: الليبرالية. يعرف قاموس «الليتريه»، «الليبرالي» بأنه ما هو جدير بلقب إنسان حر. أليس في هذا القول الرنين المناسب؟ ويعطينا قاموس «روبير الصغير» قائمة مقنعة من المضادات: «بخيل، أوتوقراطي، ديكتاتوري، توجيهي، فاشي، شمولي». ربما وجدت أعذاراً لتعريف نفسك بوصفك «معادياً للرأسمالية»، إلا أنه يجب أن تعترف بأنه ينبغي لك الكثير من الرذيلة لتعلن عن نفسك معادياً لليبرالية.

ما هي قصة كتاب أسود عن الرأسمالية هذه إذن؟ ألا ترون أن المغالاة في المشروع هي من قبيل الهذيان؟ نوافقكم انها أسوأ قاتل في التاريخ، ولكنه قاتل دون وجه، ولا رمز وراثي، يعمل دون قصاص منذ قرون في خمس قارات... نتمنى لكم إذن الكثير من المتعة: ولكن ما الفائدة؟ ألم تسمعوا قرع الجرس الذي يُعلن، في الوقت نفسه، ختام المباراة ونهاية التاريخ؟ لقد فازت!. وهي تختزن في صيغتها المافياوية جثة أعدائها. ترى أي خصم ذي مصداقية يتراءى في الأفق؟

أي خصم؟ إنه شعب الأطراف المدَعّية الهائل، الموتى والأحياء، الحشد الذي لا يحصى من الذين نفوا من أفريقيا إلى الأمريكيتين، والذين غطوا، برِخْصٍ، خَنادقَ حربٍ غبيةٍ، جرى شَيهمُ أحياءً بالنابالم، عُذبوا حتى الموت في أفواه كلاب حراسة الرأسمالية، قُتلوا رمياً بالرصاص عند جدارالحلفاء المتحدين، قُتلوا رمياً بالرصاص في فورمي، قُتلوا رمياً بالرصاص في سُطيف، ذُبحوا بمئات الألوف في أندونيسيا، جرى محوهم بصورة شبه كاملة كالهنود الحمر في أمريكا، قتلوا بكثافة في الصين لضمان حرية تداول الأفيون...

من كل هؤلاء، تلقت أيدي الأحياء شعلة تمرد الإنسان الذي أنكرت عليه كرامته، الأيدي التي سرعان ما تَخْمدُ حركتها، أيدي أطفال العالم الثالث الذين يَقتلهم سوء التغذية كل يوم بعشرات الألوف، الأيدي المعروقة للشعوب المحكومة بسداد فوائد ديون سرق حكامها رأس مالها، الأيدي المرتعشة للمنبوذين الذين يزيد، كل يوم، عدد من يخيم منهم على هوامش الرخاء...

 

أياد ضعيفة ضعفاً فاجعاً وغير متحدة حالياً. ولكنها لا تستطيع أن لا تلتقي ذات يوم. وفي ذلك اليوم، سوف تُوقدُ الشعلة التي تنقذ العالم.