ربمــا..! وماتت حميرنا الأدبيّة

مقتلة الحمير استدعت إلى البال سلسلة من الحمير الأدبية.. تلك الحمير التي قرأناها في الكتب فعشنا معها وعاشت فينا.. لا حمير الأنبياء، ولا حمير الرعيان، ولا الرحّالة، بل الحمير الحقيقية التي احتفى بها الأدب أيما احتفاء..

إضافة إلى ذلك أشعلت في البال رغبة في استبدال عناوين الأعمال الأدبية والفنية على هذا النحو: «إنهم يقتلون (الحمير)، أليس كذلك؟»، «زمن (الحمير) السكرانة»، «(حمار) لمدائح البحر»..

كل الحمير الغالية على قلبي أصبحت في عداد الموتى، وإليكم قائمة بأسمائها...:

حمار سانتشو بانثا، الحمار الذي يشبه صاحبه وهما يصاحبان الفارس ذا الطلعة الحزينة «دون كيخوته» في رحلة تحرير العالم..

بلاتيرو بطل «أنا وحماري» لخوان رامون خمينث..

بلاتيرو الذي يرافق الكاتب في جولة من الرقة والرحمة والتعاطف دون أن يجعله حيواناً خرافياً ناطقاً، بل يبقيه كما هو رفيق درب لا أكثر.. لنقل: ماذا أكثر؟؟

لوكيوس الشاب الذي يتحوّل حماراً في رواية «الحمار الذهبي»..

«الحمار العاشق» الذي كتب على لسانه بشار بن برد يقول: سيدي مل بعناني/ نحو باب الأصبهاني

إن بالبـــاب أتـانـاً/ فضلّت كل أتانِ

تيمتني يوم رحـنا/ بثناياها الحســانِ

وبـغـنـــج ودلالٍ/ سلَّ جسمي وبراني

ولها خد أسيلٌ/ مثل خدّ الشيفراني

فبها مت ولو عشتُ/ إذاً طال هــواني

فقال رجل من القوم لبشّار: وما الشيفران يا أبا معاذ ؟؟

قال بشار: هذا من غريب الحمار فإذا لقيته لكم مرّة ثانية سألته..

حمار سليم بركات حيث كتب فيه قصيدة تعريفيّة في ديوانه «بالشباك ذاتها..»:

«آن يتخذ سيّاف الغيبِ كمالاً ككمال الظلام، وتركعُ الرياحُ الأسيرةُ، تغرورقُ عيناكَ، يا هادئاً ترى الذي ترى، وتكفيكَ من الأبدِ قضمةٌ واحدةٌ، فلماذا تأسى للوقتِ، ولماذا تضربُ بحافركَ على رخامِ بطشنا؟

يا حمارُ، يا جدالَ الكسلِ المربكِ، تلفت بعينيك الناعستين إلينا، وأطبقهُما، فإنكَ لن تظفر برؤىً مثلنا قط؛ رؤىً تمضي على زحافةٍ تجرُّها ديكةُ الثلجِ، يا حمارُ، يا شظايا كأسٍ ارتخت يدُ النديم عليها فهوتْ في الفراغِ مائة عامٍ قبل أن تتشظى، إضرب بحافركَ، إضرب بأذنيكَ، إضرب بالكسل المُربكِ هذه اليقظةَ السارحةَ تحت خوذاتنا، واغفُ، فقد أغفى الوقتُ ـ ترجُمانُك الغاضبُ.

وديعٌ أنتَ ، وتغرورق عيناك».

حمار توفيق أبو رحمة، الحمار القبرصي الأبيض، في رواية «أرض الكلام» لممدوح عزام..

ذلك الحمار النبيل الذي رفض مغادرة حوش البيت، بعد هجرة أهل الدار مع المهاجرين من القرية، وظل صامتاً، دون نهيق، حتى نهق نهقته الأخيرة وخر صريعاً على الأرض.

حمار يستحق إجراء تبديل في عنوان محمود درويش بحيث يصبح: «لماذا تركت الحمار وحيداً..؟».

في مقتلة الحمير ماتت حميرنا الأدبية أيضاً..

 

■ رائد وحش