حسني هلال حسني هلال

احتمالات

لما كان المحتمل يقع أكثر ما يقع، في الضفة المقابلة للمؤكد، وكان حظ المحتمل في دنيانا، أوفر بكثير من حظ المؤكد.. فقد وجدتني، بلا سابق قصد أو تعمد. أميل إلى المحتمل من الأمور، ميلي إلى الخلاسي واللماح من الجمال.

لذا تراني عنونت هذه السطور بـ «احتمالات» قد لا يجمع فيها بينها جامع ـ عدا احتماليتها ـ سوى حدوثها فيما نعايش من الزمان والمكان والوطن:

أن تقرأ في إحدى جرائدنا الرسمية، يوم 2 آب الجاري، مقالاً نقدياً لأحد الدكاترة في بلدنا،تحت عنوان «اللغة السردية في القصة القصيرة السورية» كلاماً عاماً في اللغة والأسلوب السرديين. من غير أن تجد أثراً ما لمنتوج قصصي، أو ذكراً ما لقاص من سورية، في حين أورد الكاتب عناوين ثلاث قصص للأديب المصري طه حسين.

فلفهم هكذا كتاب، لديك احتمالات عدة، منها:

أن الدكتور قد انتزع مقطعاً عرضياً من دراسة له طويلة منشورة سابقاً. ودفع به إلى الجريدة كي يستثمره ثانية، ناسياً أو متناسياً تغيير العنوان على الأقل، ما ينم عن استخفاف الكاتب بالجريدة وبالقراء، وسوء فهمه وتقديره لمسؤولية النقد الأدبي الذي يتعاطاه.

أن يكون الكاتب من أصحاب الذات المتورمة، التي تصور لحاملها أن اسمه زائد الدال التي تسبقه، كفيلان بتسويغ ما يأتي بعدهما أو يمهر بهما كتاباته، حتى لو كانت نسبة الأدب فيها، كيلا نقول نسبة النقد. لا ترقى إلى نسبة الشعر في (رباب ربة البيت...).

أن يكون الكاتب الذي عنيناه، باخناً إمكاناته الأدبية المتواضعة ومتوقعاً ما تستقبل به كتاباته من فتور ونفور، غير أنه في الوقت عينه. لا يخالجه شك باستطاعة من يعول عليهم، أن يسوقوا له كل ما يجود به قلمه.

لكن، من غير المحتمل أن تدوم الأحوال على المنوال نفسه. ويبقى المتنفذون، مسلطنين على عروش مناصبهم، مسلطين على رؤوس ضحاياهم، وسيأتي وقت يعرى فيه المزيف والمزيف، ليراهما الناس كل الناس على حقيقتهما!

أن يصل سقف الإجرام في أحداث الأزمة التي تتفاقم لتضيق الخناق على وطننا السوري بمن فيه يوماً بعد يوم، إلى حد من التشبيح والقتل والتشويه، وتعجز معه مستقبلات الشعور ومفردات اللغة، عن الاستيعاب والوصف.

فلتفسير هذا الضرب من الإجرام، احتمالات، بينها:

أن يكون الفاعل تابعاً... متآمراً... مندساً أو حثالة المحتجين، لا يفقه من المعارضة، سوى تكسير عصا الطاعة، والإجهاز على حاملها بقطع أوصال الاهتمام عن كيف يتم ذلك وكيف وإلا يؤدي.

أن يكون الفاعل، من متطرفي النظام الذين يرون في السلطة مزرعة خاصة تدر على أصحابها كل ما يخلب العين والنفس ويسيل اللعاب، من ملذات الحياة ومباهجها. وفي سبيل الحفاظ على ملذاتهم، وحماية مزرعتهم من الأغيار، يعملون بهم مالا تنصه شريعة ولا يرتضيه شرع من القمع والإقصاء والإلغاء، وقطع دابر الحرية وكبت أنفاس الحوار.

أن يكون الفاعل، من راكبي الموجة المواتية وصيادي الماء العكر. وقد يحتمل أحد ، أنني أنتمي إلى أحد صفوف المعارضة. فيسعدني أن أؤكد احتماله، ويشرفني أن أكون في صف الأدبية الشاعرة كوليت خوري وأمثالها، من المعارضين لكل ما ينخر في جسد اجتماعنا، ويفت في عضد مجتمعنا، من فساد وبيروقراطية وتخلف واستئثار.

أما البعيد عن جادة الاحتمال والصواب، وخارج تغطية الواقع. فهو: أن أستطيع التنكر لأحد ثلاثة:

شميم الحبق، الذي شتلت يدا أمي وسقت ورعت..

حبق الأحبة، الذي يرافقني صوب ما توجهت وأينما حللت..

وحب التراب، الذي حبوت وتجرحت ركبتاي وزرعت وحصدت..!