مثقف رغماً عنََّا... وعنه؟
تفرد المحطات الفضائية العربية خلال شهر رمضان مساحة واسعة للقاء الممثلين/(النجوم) ومحاورتهم في قضايا مختلفة، ويحاول معدو البرامج الحوارية في هذه الفضائيات تصيّد الممثلين الذين يلعبون أدوار البطولة في أكثر من عمل درامي، كونهم أكثر جذباً للمشاهد المستهدف إعلانياً، ليعيدوا تقديمهم لـ(جمهورهم) بشخصياتهم الطبيعية مجردين من الإكسسوارات والأزياء التي تفرضها طبيعة كل دور يقومون بتأديته، متطفلين على تفاصيل هامشية في حياة كل منهم، لا تفيد المتفرجين بشيء، ولا يهم أحد سماعها.
وبطبيعة الحال، يجد الممثل/النجم في إطلالته الحوارية الرمضانية المدفوعة الثمن، فرصة للترويج لنفسه أولاً، وللمسلسلات التي يقوم ببطولتها ثانياً، ثم لا يلبث تحت وقع سطحية المحاوِر وسخافة أسئلته، أن يستفيض في شرح ما يحب وما يكره من عادات وبرامج وأغان ومأكولات وطبخات...، محاولاً قدر الإمكان الظهور بصورة الشخص الوسيم الخفيف الظل، اللطيف، المثقف، السريع البديهة، المختلف...إلخ.
ويأخذ الحوار شكلاً خطراً، حين يبدأ هذا الممثل بالتنظير، وغالباً في قضايا لا يفقه فيها شيئاً، بعد دخوله ومحاوره الأكثر جهلاً منه، على سبيل المصادفة، في موضوع خارج سياق التفاهة، إذ يفلت العنان لنفسه ويبدأ بـ(التخبيص).. فيأخذ بإطلاق أحكام قيمة أو تقديم آراء حادة في قضايا كبرى مثل الثقافة، التراث، الحرية، تحرر المرأة، الشرق والغرب، العروبة، الأزمة الاقتصادية العالمية، العادات والتقاليد، السكن العشوائي...، متناسياً أن صفته كـ«مُمثّل» وهي اسم فاعل لمن يزاول مهنة «التمثيل»، لا تؤهله بالضرورة أن يكون «مثقفاً» أو «فهيماً» في أي من هذه القضايا، خصوصاً إذا عرفنا أنه والعديد من نظرائه لم يقرؤوا سوى كتبهم الدراسية، هذا إذا لم ننسَ أن قسماً كبيراً من الممثلين، وبعضهم بارع، غير متخرجين من معاهد متخصصة، وبهذا المعنى يكون الممثل مثل «البلاّط» أو«الحداد» أو«االبويجي» (مع احترامنا الشديد لهذه المهن).. يمارس مهنة يجيدها بدرجات متفاوتة، ولكنه غير مؤهل للتنظير خارج إطارها..
يُفترض بمعدي البرامج والمذيعين، ومعظمهم ينطبق عليهم ما ينطبق على الممثلين، أن يكفوا عن التعامل مع النجم التلفزيوني سواء أكان ممثلاً أو مغنياً أو مخرجاً على أنه مثقف حكماً.. وإن كان بعضهم كذلك، وليحاوروه في الشؤون التي قد يستطيع الحديث عنها دون «تخبيصات» كبرى.
المثقف العربي الذي يستطيع تقديم إضافة حقيقية للمشاهد، ما يزال عموماً بعيداً (أو مبعداً) عن المنابر، وليست هناك مؤشرات جدية أنها ستكون متاحة له في المدى القريب.