«محطة» رام الله
قد يبدو غريباً أن شعباً كالشعب الفلسطيني المحاط بكل أسباب الموت والإفناء لديه كل تلك الرغبات العارمة في الاستمتاع بالفن بما يجسّد قوة الحياة في النفوس. ومن الأمثلة الهامة على هذه الميزة تجربة غاليري «محطة»، الغاليري الذي أسسه مجموعة من الفنانين الشباب في كراج سيارات مهجور تحت إحدى عمارات مدينة رام الله.
في هذه الـ«محطة» قدّم الشباب العديد من الأعمال والمعارض والنشاطات الثقافية والأدبية والفنية، وقد كان لهذه الأنشطة عموماً من الجاذبية ما استقطب عمال النظافة وباعة اليانصيب، بل إن شاباً أعمى بات يواظب على (حضور) المعارض الفنية.
في «محطة» يلتقي الشباب، والأطفال أيضاً، في ورشات عمل ودورات رسم... إلخ، ومن ثم يدعى الناس إلى الفعالية، والطريف هو طريقة الدعوة التي يشارك فيها الشباب جميعاً حيث ينزلون إلى الشوارع ويروجون لعملهم بالحديث مع الناس، كما يشرح لنا الفنان منذر جوابرة..
قدّمت «محطة» رام الله العديد من الأفكار والمشاريع الجديدة كل الجدة، خصوصاً على صعيد الفنون المعاصرة (فيديو آرت، تجهيز، عروض حية...) التي تلقى ازدهاراً كبيراً بين شباب الأراضي المحتلة في الوقت الذي تغيب فيه عن دول عربية لديها سيادتها الكاملة. من هذه المشاريع قيام مجموعة من الفنانين الشباب بالرسم على جدران أبنية بيوت المدينة، والقيام بعروض على أرصفة الشوارع. ولعل من أهم هذه المقترحات وأبرزها مشروع عرض الأزياء الشعبية الذي قدمته صبايا جامعيات بارعات الجمال من تصميمهن وشباب آخر، والمدهش في الأمر أن الأزياء الشعبية الفلسطينية التي قدمت لم تقدّم كما هي، بل في تطوير وتجديد، حيث حاكت آخر صرعات الموضة مع بقاء التطريزات الشهيرة مما أكسبها من السحر والفتنة عظمة كبيرة.
وإذا علمنا أن هذا المشروع الشبابي الفني هو من جيوب شبابه أساساً، مع رفض لأي نوع من التمويل الأجنبي، لأن التمويل هناك شبهة ـ كما هو أيضاً في البلدان الأخرى ـ فإننا ندرك أننا أمام مشروع وطني شبابي، يتحدّى الخراب البصري والأخلاقي باستنهاض الجمال قيمة للمقاومة والحفاظ على الهوية.