هرم ماسلو للحاجات..

(1)

يعثر على مغنية بريطانية عمرها /27/ سنة، متوفاة في شقتها في لندن  إثر جرعة زائدة من المخدرات..

(إيمي وينهاوس) ماتت وحيدة في شقتها، وحولها زجاجات كحول فارغة لم يسنح لها الوقت أن ترميها، ربما بضع ثياب متسخة هنا وهناك، أسطوانات موسيقا أحبتها وأخرى  كانت أثرها الخاص الذي تركته في الحياة، جوائز وشهادات، قلم كحلٍ أسود لطالما رسمت به قوساً حاداً حول العيون.

ماتت وحيدة بالرغم من أنها كانت من أشهر المغنيات الشابات في العالم، ومن أكثرهن أهميةً وفرادةً وإبداعاً، وبالرغم من أن موسيقاها كانت مدعاة للفرح والتأمل والمتعة لكثيرين ماتت وحيدة تماماً كما توقعت لها مجلات الفضائح، ونقاد الموسيقا، ومواقع الإنترنت، أن تموت إثر جرعةٍ زائدة من المخدرات وإدمانٍ للكحول.

ماتت (إيمي وينهاوس) في ظل فوضى عالمية، تجعل من حادثة موتها خبراً عابراً، ليكون من الترف  تخصيص بضعٍ من لحظات الهدوء لوداعها وسماع أغنياتها. 

(2)

شعوب بكاملها تنتفض طلباً للحرية

شاب يموت بعد أن أضرم ناراً في جسده  احتجاجاً على حقه المهدور، بعد أن فشلت عيونه الحادة وصوته الصارخ في جعل أحد يلتفت له أو لمطالبه، فكانت النار وما ولّدته من ضوءٍ..

شاب آخر في بلادٍ أخرى، يموت مقتولاً بعد انتزاع حنجرته، لأنه كان يهتف ويقود مظاهرات حاشدة في مدينته..

آلاف الشهداء، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً يموتون من أجل حرية سلبت منهم طوال حياتهم في تقرير مصيرهم، والتعبير عن رأيهم، وعيش حياتهم بالشكل الذي يرونه، وحماية حقهم بالكلام والتفكير والعدالة والمواطنة والكرامة.

تلك مثل عليا وحقوق واجبة ومكفولة.. حققتها الشعوب في بعض البلدان بالدم، وباتت أمراً واقعاً لا تحتاج إلى نقاش.. إلا أنها في بلدان الشهداء ما تزال مطالب جوهريةً تستحق الموت من أجلها.

(3)

ضحايا مجاعة الصومال قد يتجاوزون المليون قتيل

عيون جاحظة، بطون منتفخة، وعظام تكاد تظهر تحت طبقة من الجلد الرقيق... هناك في تلك الأرض البعيدة، لا مكان للحديث عن الحرية أو الشعور بالوحدة والرغبة في تحقيق الذات.. فالمعركة هناك معركة البقاء الأزلية، صراع الإنسان لحماية وجوده ضد قوى الطبيعة.. هناك تعبير » الموت جوعاً« ليس مجازاً، بل هو واقع الحال.. هناك لا وقت للتفكير والتأمل في معنى الحياة وغايتها، لا دلالة لكلمات الوطن والحرية والكرامة.. هناك الموت ليس خياراً وليس رسالة احتجاج..

موت آلاف البشر في الصومال جوعاً يجعل الثورات من أجل ظروف حياة أفضل وطلب الحرية والعدالة والديمقراطية تبدو كما لو أنها ضرب من الترف، وتلك الثورات بدورها تجعل البعض ينظر بازدراء لخبر موت فتاة عانت وحدة واضطراباً وشعوراً بعدم تقدير الذات دفعها لإدمان المخدرات..

تلك شذرات من أحداث تعرض في نشرة الأخبار، ما يوحدها أن الموت نتيجتها، وإن اختلفت الأسباب.. عالم مظلم مضطرب ذاك الذي نعيش فيه، وواقع يجبرنا على الاختيار على من يجب أن نحزن.. ومع أيٍ من قصص الموت تلك نتعاطف..

صورة ضبابية قاتمة تلك التي ما تزال تسمى» حياتنا«!.