جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

حرب الجاسوسية تشتعل درامياً بين سورية ومصر «رجال الحسم».. إعلان الحرب درامياً على تل أبيب

في رمضان هذا العام أطل علينا العمل الدرامي الوطني «رجال الحسم» للمخرج نجدة أنزور والكاتب فايز بشير، وهو الجديد تماماً من حيث الفكرة، والحبكة القصصية، والبناء الدرامي القائم على فكرة الصراع العربي الإسرائيلي في مراحل باتت بعيدة، وغائبة أيضاً، عن ذاكرة ومخيلة الأجيال العربية الجديدة، نكسة حزيران 1967 التي رسخت من خلالها الدولة المسخ القائمة على الاغتصاب والعدوان (إسرائيل) وجودها، لا بل وزادت مساحة الأراضي العربية التي تحتلها؛ انطلاقاً من فكرة الجاسوسية والاستخبارات المضادة. وعلى الرغم من سياقه التاريخي وأبعاده السياسية والعسكرية إلا أن هويته الإنسانية والوطنية تطغى فيما يختص بمفاعيل النكسة ومخلفاتها من الناحية الاجتماعية والإنسانية. هو يروي حكاية أستاذ جولاني يُدعى فارس (باسل خياط) يؤدي خدمته العسكرية في فوج المغاوير. ويشترك في حرب الـ1967 التي تسلبه والدته وشقيقه، وتصاب أخته (تاج حيدر)، فيقرر الانتقام لهم. ويتقدم بطلب تنفيذ عملية فدائية في الأراضي المحتلة، لكنه يرفض لأنه مدرس فيسافر إلى ألمانيا حيث تخدمه المصادفات ويجد نفسه داخل أتون أحد صراعات التصفية في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي «الموساد» وهنا أيضاً تخدمه «محاسن الصدف» وما أكثرها في هذا المسلسل، ويتحول إلى «إيشاك» اليهودي البولوني الذي يذهب إلى إسرائيل، بمساعدة الضابطة ميراج أو سارة (المطربة مايا نصري) التي يقنعها بحبه لها، وسرعان ما ينجح في اختراق الموساد.

 

نص المسلسل هو الأول الذي يتحدث عن الجاسوسية في تاريخ الدراما السورية، وقد نسج بطريقة بعيدة عن كل تقليدية قصص التجسس في الصراع العربي الإسرائيلي التي تناولتها السينما والدراما العربية. لكنه لم ينجح في الدخول إلى عالم الجاسوسية بشكل واضح وصريح، فهو لا يتحدث عن الجاسوسية بقدر ما يقدم الصراعات الداخلية في جهاز الموساد، وبالجانب الآخر بدا وكأنه يروي حكاية البطل الهوميري الذي لا يقهر، والذي كل همّه وشاغله الوحيد هو الوطن، وهو ما تظهره جلياً مشاهد الحب المليئة بالخطابية تحت شعار «حب الوطن هو أسمى أنواع الحب».

 والنقطة الثانية هي الغياب التام لدور ورجال المخابرات السورية عن العمل، وهو المفترض أن يقابل دور الموساد في صراع الاستخبارات، فليس من المنطق بشيء أن يخوض البطل كل هذه الصراعات في ألمانيا من دون ظهور شخصية لفرد من الاستخبارات السورية، اللهم إلا بمشهد واحد فقط غير مفهوم لأحد ضباط المخابرات السورية يتم إخفاء وجهه وكأنه شخصية حقيقية!

هنالك أيضاً بعض الأحداث التي تجري في المسلسل ولا تمت إلى الصراع الدرامي بصلة بل وحتى للواقع آنذاك. كقصة وفاء، شقيقة زوج أخت فارس، التي تقيم علاقة خارج إطار الزواج مع شاب تتعرف إليه في دكان أبي فارس، وعندما يعلم الأهل بما حصل يتعاملون بمنتهى الوعي والرقي، وأن ما حصل قد كان خطأ يمكن للفتاة والشاب إصلاحها عبر الزواج؛ من دون أن تراق الدماء حتى يسلم الشرف الرفيع من الأذى.

 النقطة الثالثة التي أدت لتمييع الفكرة، كثرة المشاهد التي شابها استعادة الذكريات والأفكار وتكرارها وهو ما أدى بدوره إلى الإطالة المملة التي جعلت الأحداث تسير ببطء شديد في بعض الحلقات.

أما من حيث الإخراج فيسجل الإبداع والتميز الذي عودنا عليه نجدة أنزور، بحيث يمكن القول إن الكاميرا غطت على عيوب السيناريو، وخصوصاً مشاهد الحرب التي عبرت عن الألم ومعنى الهزيمة وبعض أسبابها بشكل لم يقدم سابقاً بالدراما العربية عموماً بهذا الشكل المعبر.

«رجال الحسم» عمل خيب كل الآمال والتوقعات وأولها التي أطلقها مخرجه الذي تحدى به الدراما المصرية، وكاتبه الذي اعتبره نقطة مضيئة في الظلام الذي تعيشه الأمة العربية حالياً.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.