أدباء ومثقفو طرطوس يحيون ذكرى عبد المعين الملوحي

بدعوة من اتحاد الكتاب العرب ـ فرع طرطوس نظمت ندوة إحياء لذكرى الأديب والشاعر الموسوعي عبد المعين الملوحي وذلك في يوم الأحد 19/11/2006  حضرها حشد من أدباء ومثقفي محافظة طرطوس، كما حضرها مندوبون عن أسرة الملوحي وعلى رأسهم ولده الدكتور منقذ الملوحي قادماً من دمشق، وابنته الدكتورة شروق الملوحي قادمة من الكويت، وابن عمه سامر الملوحي من طرطوس، وقد افتتح الندوة الأديب الأستاذ مالك صقور رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس مقدماً المحاضر شاهر أحمد نصر بكلمة هذا نصها:

نداء الملوحي ووصيته

.."سيقول السفهاء من الناس هذا تناقض. هذا نفاق. وأنا أقول لهم في صراحة، إنه ليس تناقضاً، وإنه ليس نفاقاً. هكذا عشت، وهكذا كتبت. وأنا في كل خلجة من خلجات حياتي.. صادق.. جد صادق". هذا ما يقوله الأديب الكبير الراحل عبد المعين الملوحي.
 في زيارتي الأولى له، في مطلع تسعينات القرن الماضي، أدهشتني مكتبته العامرة. والبيت كله حوّله المرحوم إلى مكتبة. وفي ظني، أنها من أكبر المكتبات الشخصية. وحين رحت أنقل نظري بين صورة (فلاديمر إبلتش لينين) وصورة (جمال عبد الناصر) في صدر مكتبه ـ وكأنه قرأ ما كنت أفكر فيه لحظتئذ ـ فقال لي بالحرف الواحد:" أنا لم أخن مبادئي، أنا ثائر مزمن. أنا أممي بالفطرة، واشتراكي حتى آخر قطرة من دمي. لذا أجل لينين وأحترم مبادئه الاشتراكية. وأنا أقدس وطني. أنا مؤمن بعروبتي وقوميتي وعبد الناصر حمل راية القومية العربية والوحدة. ولذا، فأنا أحب عبد الناصر وأجله، أنا قومي وأممي. ولا أرى تناقضاً. أنسيتم قول لينين: "كي تكون أممياً جيداً يجب أن تكون وطنياً وقومياً جيداً". واستطرد رحمه الله قائلاً: قضية أخرى، لامني عليها بعضهم، وعاتبني البعض الآخر. وهاجمني آخرون. يوم فجعت بزوجتي، وكتبت( تلك القصيدة ) يقصد، طبعاً قصيدة( بهيرة) في رثاء زوجته. فهم تناسوا مضمون القصيدة الإنساني، تناسوا عذابات إنسان مفجوع ومعاناته. وصاروا يلوكون الأبيات التي أجدف فيها وأتساءل أسئلة وجودية. وأنا أعلن على الملأ:" لقد قضيت عشرين من عمري في إيمان مطلق. وقضيت عشرين عاماً أخرى في جحود مطلق، وأريد أن أقضي ما بقي لي من أيامي في إيمان قلبي ناعم لذيذ، وفي استسلام عقلي هادئ عذب".
وعندما صدر كتابه (كيف أصبحت شيوعياً) قبل أربعة أعوام، قلت له: يا أبا المنقذ: لقد تأخر كتابك خمسين عاماً،أو على الأقل أربعين عاماً. فلو نشرته قبل أربعين عاماً، لكان له شأن أخر. ولساهم مساهمة كبيرة في أمرين: الأول: برهانك العفوي الفطري الإنساني، أن الشيوعية ليست غولاً ولا ضبعاً. بل هي تختزل كفاح البشرية منذ فجر التاريخ، من أجل الخير، والعدالة، والمساواة، وإلغاء استثمار الإنسان للإنسان إنها، في النهاية، كما تقول: المعادل للإنسانية تماماً. والأمر الثاني: كنت وفرت على الشيوعيين العرب عامة والشيوعيين السوريين خاصة، وعلى الملتزميين بالتنظيم على الأقل ـ الكثير من هدر الوقت، ومن هدر الورق، والكثير الكثير من المهاترات، والانشقاقات، وذكرتهم بقوة: بمبدأ (النقد والنقد الذاتي) الذي لم يكن سوى شعار غير معمول به. فقال رحمه الله: عن قصد لم أنشر ذلك. كنت حريصاً على وحدة فصائل حركة التحرر العربية. وما زلت حريصاً على وحدة الفصائل التقدمية، وكان أملنا كبيراً في وحدتها وفي صمودها في مقاومة العدو الصهيوني، ورص الجبهة الداخلية. ولكن، الآن وقد انقسم الحزب، أعتقد أنه صار خمسة، وانهار الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الاشتراكية، لم يبق ما أخاف عليه، يعني، نقدي للرفاق الآن لن يضر، أو يمنع الناس من الاتجاه إليهم. فنشرت الكتاب. وكنت جريئاً في قول الحق، وأن أقول: "لقد تركت الحزب الشيوعي السوري عام 1945 وبقيت شيوعياً".

لقد آمن الأديب الكبير الراحل إيماناً مطلقاً، بالإنسان، وآمن إيماناً مطلقاً أنه عندما يجوع إنسان واحد في مكان ما تبكي الإنسانية كلها، وعندما يتألم إنسان ما في مكان ما تبكي الإنسانية كلها، وعندما يفقد إنسان ما حريته تكبل الإنسانية كلها بالأصفاد. فمنذ أكثر من أربعين عاماً أطلق نداءه: "فكن أيها الإنسان حراً:
صديقاً للإنسانية ـ عدواً للوحشية.. صديقاً للاشتراكية ـ عدواً للرأسمالية..
صديقاً للحرية ـ عدواً للعبودية.. صديقاً للإخاء بين الشعوب ـ عدواً للعنصرية؟؟
صديقاً للمساواة بين الناس ـ عدواً للطبقية.. صديقاً للحق ـ عدواً للباطل..

وأما وصيته لابنه فهي:
يا ولدي منقذ الوحدة العربية منقوشة بمسامير كبيرة على أحداق رئتي طافية على مركب حديدي في شرايين قلبي يا ولدي أعرف أني كنت جندياً مجهولاً في جيش الوحدة أعرف أن الوحدة التي بناها قطران عربيان ذات يوم قد تآمر عليها العالم كله فهدموها يا ولدي غداً إذا حقق العرب وحدتهم فاكتب ذلك على شاهدة قبري يا ولدي منقذ وإن لم تستطيع كتابة ذلك في حياتك، وأسفاه،  فأوص بها أحفادي!
والآن، في الذكرى الأربعين للراحل الكبير، أقول لرفاقه وأصدقائه وللذين قرؤوا أدبه، ومن ثم نسوه أو تناسوه، سامحكم الله، لأنه هو سامحكم في حياته. وأقول للأجيال الشابة، التي لم تترك لها الفضائيات وقتاً للقراءة. تعرفوا على أدب الراحل الكبير عبد المعين الملوحي، فلقد أنجز أكثر من مئة كتاب، اقرؤوه، وانهلوا من مناهله الغزيرة الإنسانية النقية، وأتوجه إلى اتحاد الكتاب العرب، ووزارة الثقافة، والإعلام، وإلى كل الذين انشغلوا عنه في حياته ومماته: انصفوا هذا الأديب الكبير، فهو شاعر مطبوع أصيل، ومترجم فذ، ومؤرخ منصف، وباحث لم يتعب، إنه شمولي المعرفة، تقدمي الفكر، إنساني النزعة، عروبي العقيدة. يا أبا المنقذ، سامحنا جميعاً.