من التراث التوراة والتفرقة العنصرية
لطالما عبّر الناس باللون الأبيض عن النقاء والصفاء والطهارة واعتبروه رمزاً للعفة، وفي مقابل ذلك وضع اللون الأسود في المواجهة ليعبر من خلاله عن الخطيئة والسوء والبشاعة، ثم انتقلت هذه الرمزية في اللون لتكرس (حقيقة) أن لون البشرة الأبيض هو الأفضل، وعزز هذه الصورة الاستعمار الغربي للعالم، وبدا هذا المحتل الأبيض البشرة، الملون الشعر والعينين، هو المثال الأفضل، ومعها كانت صورة الأسود (الزنجي) تتراجع وأصبحت رديفاً للفظ (العبودية والاسترقاق) فكل سيّدٍ (أبيض) وكل عبدٍ (أسود).
هذا ما فعله الاستعمار الحديث، ولكن هذه الصورة قديمة قدم التاريخ، فحتى المسيح بن مريم - عليه السلام - يصور في كنائسنا في المشرق بشكله الأوربي (الإيطالي أو اليوناني)، (عيونه ملونة جميلة وأنفه حاد مرفوع وشعره مموج طويل) علماً أنه ابن هذا المكان ويجب أن تكون صورته كصورة أبناء فلسطين أو الشام عموماً.
وإذا عدنا لبعض ما كتبه (كافين رايلي) نجد أنه يشرح بشكل ملفت وشيّق كيف أن الاستعمار الأوربي الغربي ـ الشمالي (الإنكليزي والأيرلندي) الذي استعمر أمريكا الشمالية وعاث فساداً فيها، قد قتل ملايين الناس من الملونين (الهنود الحمر) دون إحساس بالذنب، وفي مقابل هذا نشهد استعماراً أوربياً آخر أيضاً، لكنه إلى الجنوب قليلاً (إسبان وبرتغاليين) الذين استعمروا أمريكا الجنوبية، لم يقتل الناس بتلك البشاعة، بل حدث تزاوج كبير بين المهاجرين والسكان الأصليين، وجرى اختلاط كبير فيما بينهم نشأ عنه ما يعرف بالخلاسيين، ويبرر الكاتب المذكور أن السبب العميق لهذا السلوك لدول استعمارية أوربية تتشابه في رغبتها في الاستغلال ونهب الخبرات، أن الأسبان وبسبب احتكاكهم بالعرب مئات السنين وجدت لديهم بعض مشاعر الرحمة ورفض العنصرية على أساس اللون، بينما الاستعمار الإنكليزي ذو الثقافة (التوراتية) كان ينظر إلى الشعوب الأخرى والملونة منها تحديداً بعين الاحتقار.
هذه الثقافة عكستها مفاهيم التوراة سابقاً في تبرير وجود (اللون الأسود) على وجه الأرض، إذ اعتبرت التوراة أن (حام) بن نوح قد عوقب من الله بأن تحول لونه إلى أسود ليصبح (خادماً) لأخويه على مدى الدهر كعقوبة دائمة، لأنه تجرأ وسخر من والده (نوح) وكشف عن عورة أبيه باستهزاء.
فأصبح كل أسود في هذا العالم مطالب بدفع الثمن عن فعلة الجدّ (حام) كما أن البشرية الآن على الأرض (حسب التوراة) تعيش العقوبة التي فرضها الله على آدم وطرده من الجنة..
في (الصين) أصابتني مشاعر الحيرة، فالصيني لديه مشاعر إنسانية جميلة ولطيفة جداً، وهو لا ينتمي إلى أديان التوحيد الثلاث. لكن إحساسه بالدونية (كبير) بسبب لونه وشكله، ولا يتردد في التعبير عن إعجابه بلون بشرتك – أنت العربي- وشكل عينيك وطول شعر ذقنك، فهو المحروم من كل هذه الصفات. ويبدي امتعاضه لأن عيونه ضيقة وشعره أملس.
وسبب هذه الدونية كما نعلم جميعاً هو أن الصين ومجموعة الدول المحيطة بها (كوريا، أندونيسيا، ماليزيا، منغوليا، أجزاء من إيران وباكستان وأفغانستان والفلبين ودول كثيرة)، وجميع شعوبها تتشابه في الشكل والعيون، وهؤلاء جميعاً يشكلون أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، كانوا مستعمرين من الغرب (التوراتي) ذاته الذي غزانا بأسلحته ومفاهيمه العنصرية.
فإذا كنا في البلدان العربية والشرقية عموماً ننظر إلى الأوربي على أنه مقياس الجمال، فالصيني يعيش الحالة ذاتها مع الأوربي ومعنا كعرب، وأحياناً مع الأفارقة، وفي العموم فحتى اللحظة ننظر – نحن أبناء الشرق من أدناه إلى أقصاه - إلى غازينا الإمبريالي التوراتي على أنه مركز الكون، فإلى متى؟!!