مديرية المسارح والموسيقا ومشروع التحول إلى هيئة عامة للمسارح تغييرات نحو الأفضل أم نحو تفاقم الأزمة؟؟
يعيش الوسط المسرحي هذه الفترة إرهاصات، يرى البعض أنها نوعية وستحول الوضع المسرحي من حالة السبات إلى عودة الحياة، أو على أقل تقدير تحسين أوضاع الفنانين المسرحيين، وبالتالي تحسين أوضاع المسرح.
الخطوة التي ستتخذها وزارة الثقافة هي: تحويل المديرية العامة للمسارح والموسيقا إلى هيئة عامة للمسارح على غرار التلفزيون.
وهذه الخطوة كان قد بدأها السيد زهير رمضان عندما كان مديراً للمسارح، وكان آنذاك يتوقع ـ كما كان يقول ـ أن يستمر في منصبه لسبعين سنة قادمة إلا أن الأمور لم تدم له، لكن المشروع استمر وهاهو الآن قيد النقاش والتنفيذ في وزارة الثقافة.
خطوة للأمام أم تفاقم للأزمة؟
لاشك أن تحويل المديرية إلى هيئة عامة للمسرح سيمتص معظم خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية العاطلين عن العمل، وبالتالي نكون قد عالجنا مشكلة بطالة الفنانين، لكن يخشى أن تمسي هذه الهيئة الوليدة مثل سابقتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وقد أشار بعض الفنانين إلى هذه التوجس عند لقائهم مع السيد وزير الثقافة في مسرح القباني.
فالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تضم نحو أربعة آلاف موظف، والبعض يقول إنهم قد أصبحوا سبعة آلاف، مائتين منهم يعملون، أما الباقي فهم مجرد أرقام أو أعداد في السجلات الرسمية.
ونشير هنا أن محطات تلفزيونية ناجحة ولها حضور جماهيري واسع مثل الجزيرة والعربية وغيرهما، يعتمد نجاحها على مائتي موظف فقط.. إنها مفارقة غريبة!
هيئة بلا مرافق
في نهاية كل شهر يلتقي الفنانون في مديرية المسارح لقبض رواتبهم، ولك أن تتخيل كيف يضيق بهم مبنى المديرية، وكيف تكتظ غرفة المسرح القومي وهي الغرفة الوحيدة التي تجمع شملهم في هذا المبنى الضيق، والسؤال الآن: هل مديرية المسارح بوضعها الحالي تضيق بموظفيها فكيف إذا تحولت إلى هيئة؟!
كما أنها أساساً بلا مرافق، فلا يوجد سوى مبنى المديرية المتهالك ومسرح الحمراء ومسرح القباني ومسرح العرائس وهذه المرافق تضيق بموظفيها الأساسيين، وعندما تتحول إلى هيئة فهذا يعني موظفين جدد وأقسام مختلفة وأنشطة متنوعة . . . .إلخ.
أين المرافق التي ستستوعب ماهو موجود ماهو قائم؟
كانت الخطة في السابق أن يكون للمديرية جزء من مبنى دار الأسد للثقافة والفنون لكن مع تحول هذه الدار إلى هيئة مستقلة أصبح لزاماً على المديرية وهي الكيان الأساس أن تتبع نفس الخطى وتتحول إلى هيئة وأن تجد لنفسها المرافق اللائقة.
أجور الفنانين، والأمل القادم
لم يتبدل كثيراً نظام الأجور والمكافآت في مديرية المسارح في العشر سنوات الأخيرة، بل ربما تراجع قليلاً، فكلما أتى وزير جديد يخفض أجور الفنانين ومكافآتهم حرصاً منه على ضغط النفقات، ولا أدري إذا كانت هذه النفقات الزائدة سببها أجور الفنانين أم الفساد والهدر الذي يعم مؤسساتنا قاطبة.
مديرية المسارح تضم أهم فناني سورية، وهم بالمجمل لايعرفون منها إلا غرفة المحاسب، كما أنهم يرفضون العمل ضمن نظام الأجور المعمول به، فما يتقاضاه أي فنان عن مشهدين في التلفزيون يعادل أجر مسرحية تحتاج لشهرين أو أكثر لإنجازها. فلماذا إهدار الوقت على أجور بخسة؟
الكلام عن رفع أجور الفنانين ومكافآتهم مطروح منذ أمد بعيد، وقد نوقش هذا الموضوع في نقابة الفنانين وفي مديرية المسارح، ولكن ضمن الميزانيات الهزيلة التي ترصد للأنشطة، وبشكل عام لا أحد يتوقع الوصول إلى حل نهائي في الأمد القريب.
إلا أن هناك سبل أخرى يمكن اعتمادها للخروج من هذه الأزمة هي: تأمين فرص عمل للفنانين على نظام المكافآت وبأجور جيدة دون الحاجة إلى توظيفهم، فهم بطبيعة الحال غير ملزمين بدوام باعتبار لديهم حجم عمل سنوي ومادام الأمر كذلك فلم توظيفهم في الهيئة العامة؟ بل يكفي التعاقد معهم على أعمال محددة وبأجور مناسبة. ولكن هل نأمل بأعمال مسرحية قادمة تستوعب الجميع، هذا الأمر رهن بما ستحصل عليه الهيئة الوليدة ضمن ميزانية.
كل يعمل على هواه
الكل يدعي أنه يرعى المسرح ويشجعه، والكل يدعي حرصه على تطور المسرح وتقدمه في هذا البلد.
العمال لهم مهرجانات والشبيبة أيضاً والطلائع والمسرح المدرسي والعسكري والحر والجامعي . . . .إلخ كل هذه المؤسسات وغيرها تتبنى فكرة المسرح وتدعي رعايته وتعمل بشكل ذاتي ومستقل ودون تنسيق مع أي جهة نقابية أو اختصاصية.
ما معنى أن يكون لوزارة التربية ـ على سبيل المثال ـ عدة صالات عرض وهي مغلقة ولا يمارس فيها أي نشاط ولا تستطيع أي جهة أخرى الاستفادة منها.
لقد كان للزميل عصام عبد الرحيم ـ مدير المسرح المدرسي ـ بادرة جيدة في هذه المجال عندما حاول توقيع بروتوكول تعاون بين مديرية المسارح والمسرح المدرسي تستفيد الأولى من صالات العرض والثانية من الخبرات والكادر البشري إلا أن هذا المشروع لم ينجز بكل أسف إذ تغير مدير المسارح ـ آنذاك ـ فايز قزق ومع تغير المدراء تتغير القوانين والأنظمة أيضاَ، المسرح العمالي يمتلك مسرح نقابات العمال ومسرح راميتا الأول يؤجر للفرق الخاصة والثاني يتولاه متعهد.
وعلى اعتبار أنه لا يوجد مسرح عمالي على مدار العام لماذا لا يكون هناك تنسيق بين اتحاد نقابات العمال ومديرية المسارح وفق شروط تحقق الغايات المرادة لكلا الطرفين، ويفعّل هذان المسرحان بشكل يعود بالفائدة على الجميع.
هذا بالنسبة إلى الصالات، أما بالنسبة للكادر البشري، فلماذا لا تمتصه الهيئات والمؤسسات المسرحية الكثيرة الموجودة في سورية مثل المسرح العمالي، الطلائع، الشبيبة، العسكري . . . . إلخ.
إن هذه المؤسسات خالية تماماً من الكادر البشري المختص وفي الوقت عينه تدعي أن لديها حركة مسرحية مستمرة ومهرجانات سنوية!
فلماذا لا تمتص جزءاً من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية؟
هل نحتاج إلى قرون كي ننظم عمل مؤسساتنا.
إن هذا الكادر البشري المتناثر وهذه المسارح المقفلة، لاتحتاج إلا إلى تنسيق مناسب بين المعنيين كي تفعل وتأخذ دورها الحقيقي الذي وجدت من أجله.