ربّما! هؤلاء نحن
ثمة أنواع متباينة من القراء، أجملهم هم الذين أصابتهم القراءة بمس، فما عادت مهمة تلك الفوارق بين الواقع والخيال.
لكل منهم لمسة سحر، هي نصه الحياتي المعاش الذي يضاهي النصوص التي أصابته، وفي السير الشخصية لكل منهم مشاهد ومواقف تستحق فصولاً إضافية في كتاب «تاريخ القراءة» لألبرتو مانغويل.
جارنا الممسوس بماركيز سمى ابنته أورسولا تيمناً بشخصية الأم في «مائة عام من العزلة»، لكن أحداً من محيطها، إلى اليوم، لم يعرف كيف تلفظ تلك الكلمة، هذا عدا الحلة الشرقية التي باتت عليها الآن. وبالطريقة نفسها ، حدث الأمر مع فتى اسمه مُحسَّد، كان عمه مغرماً بالمتنبي.
قارئة ارتبط تاريخ حياتها بإعادة قراءة «الخيميائي» التي اعتبرتها منذ المراهقة كتاب حياتها، ولم تكن لتخسر ذلك الوهم، الذي كان يموّلها بالأمل اللازم، لولا تنفيذ ياسر العظمة لها، في واحدة من أسوأ مراياه.
وآخر، منذ وقع على «خفة الكائن التي لا تحتمل» و«فالس الوداع» و«الخلود»، وصديقه الطيب ميلان كونديرا لا يتخلف يوما عن زيارته في مناماته اللذيذة.
ورابع، وربما عاشر أو مليون، وقف يصيح مكسور القلب، بعدما عجز عن وأد خلاف أبناء عمومته، في قرية نائية : تذابحوا.. لأنكم لم تقرأوا مقطعاً من فرناندو بيسوا.
هؤلاء ليسوا تشكيلة مجانية من القراء، ولا هم استعراض للبضاعة على طريقة مندوبي المبيعات، ولا هم مشروع توسع في كتاب «أخبار الحمقى والمغفلين».. هؤلاء نحن، نحن الذين حاولت نظرية «موت المؤلف» إحياءنا، دون جدوى، لنظل في عداد الغائبين والمغيّبين، نحيا كما يحلو لنا أن نكون «أحياء في البحر الميت»..
■ رائد وحش