يؤلف كلماته ويؤدي ما يعجبه مما يسمعه.. المطرب الشعبي أحمد التلاوي: أحبّ الربابة.. فهي تنطق الحجر وتشجيه!
تخرّج أحمد التّلاوي، أبو حسين، من أكاديمية الموليا والعتابا وأخواتها، بعد أن قضى سنوات طفولته، في سراقب، تلميذاً في الأعراس والحفلات، ينصتُ بإمعانٍ إلى مطربي التراث الشعبيّ، متأملاً باستغراق معدن تلك الأغاني، كمن عرف، بالنبوءة أو الحدس، أنَّ حياته القادمة سترتبط بها.
تجربته الأولى في الغناء كانت عام (1975) في مدينته سراقب التي احتفت به أشدَّ الاحتفاء، فدللته، وأعطته أسرارها، وساهمت بنقله إلى بقية المدن السورية. حلب، بدورها، أعطت الكثير، كما أعطت سواه من الفنانين، ومنحته جواز المرور إلى قلوب الناس، ليصل الصّوت إلى مناطق مختلفة من هذا العالم. يقول أبو حسين: «لم تشهرني فضائيات، وصلت إلى الشهرة بجهدي، ولوني وكلامي الواضح لعبا دوراً كبيراً في ذلك».
يرتبط اسم التلاوي بالحقبة الذهبية للأغنية الشعبية، يوم كان المنبر الوحيد للمطرب الشعبي هو العرس، ومنه تخرج كاستيات، يتسابق الناس في اقتنائها. على خلاف ما يحدث اليوم، فما نراه هو مسخ وتشويه، حيث أصبحت الأغنية الشعبية حلبة للتهريج، واستجداء الضحك، علاوة على غياب الحميمية التي كانت توفرها الآلات الطربيّة البسيطة من ربابة ومجوز وشبابة، إذ أقيلت ليتولى المهمة الكيبورد. ولم يعد لهؤلاء المطربين الذين لا نعرف من أين يطلعون علينا إلا الشهرة السريعة، كيفما اتفق، وبأية وسيلة، والضحية الأولى هي الأغنية «في الفيديو كليب لا نعرف من المطرب. هذا عدا تلك الفوضى العارمة للأرجل والسّيقان، والأغنية الشعبية التي رأينا الكثير من الكليبات حولها لم تكن سوى ديكورات لا علاقة لها بالواقع ولا بالغناء» يبدو التلاوي متألماً، وهو يتحدث عن هذا التردي، لكنه يدرك الأبعاد التجارية لهذا اللّون، والذي بات مطلوباً بحكم وجود فضائيات معينة تطلبه. «هناك مطربون ينشهرون لسنة أو سنتين وينطفئون».
حيث تسأله عن الحبّ، يقول «إذا أردت تحليل الأغاني فلن تجد فيها إلا الحب»، فالحبّ دينامو الأغاني والمغنّي، داء الإنسان ودواؤه، لكنّ العمر الذي أخذ الكثير، لم يعد يسمح بشغب إضافي، خصوصاً وأنّ التّلاوي كان من أكثر المطربين مشاكسةً وخروجاً عن المألوف، وبحسرة طويلة يعلن أنّه خفّف من شغب شبابه، أو أنّ شغب شبابه خفّ، لكون السّنين قد أوصلته إلى حوافها.
ارتبط صوته بموسيقى الرّبابة، وكان السميعة بغنى عن كلّ ما عداها من الآلات، حيث كانت تزكي الأشجان، وتملأ المسامع طرباً، فالرّبابة، على تقشّفها، تقول بمقدار الحاجة، لا زيادة ولا نقصان، وبوترٍ واحدٍ تؤجّج الصّمت الحجريّ وتنطقه، وبالنسبة للتلاوي «لوني يتلاءم مع الربابة، وعدم وجودها يسبب إزعاجاً كبيراً لي، وقد شكلت مع العازف محمد أبو حديد ثنائياً، وقد حققنا نجاحاً كبيراً، فأبو حديد يخرج جميع المقامات الشرقية من وتر واحد. أحب الربابة.. حتى لباسي يناسبها».
هو يؤكد على أنّ الفن ذوق «ما يعجبني قد لا يعجبك، فحتى أم كلثوم هناك أناس لا يحبونها، لكن الغريب أنّ الفن قد صار تجارة لا علاقة لها بالذوق إطلاقاً».
مايزال أبو حسين مُصّراً على لونه الغنائيّ الذي بدأ فيه، ويعتبره شيئاً يتعلّق بوجوده وحياته، وقد عرف كثيرين حاولوا تقليد هذا اللون لكنهم فشلوا، والسّبب في عدم ارتباطهم به، فمن يريد أن يغني بهذه الطريقة يجب أن يعيش في البيئة ذاتها، ويتلقى التأثيرات ذاتها، ويتربى على أصوات صالح رمضان وعقيل قدور وأبو حسن الحريثاني، حتى يكون حقيقياً ومقنعاً.
■ رائد وحش