صراعات مفتعلة تنشأ من الفراغ وغياب المشروع..
أثارت اتهامات د. حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب، التي كالها لسعد الله ونوس زوبعة من الآراء الغاضبة في الصحافة المحلية والعربية. كل الآراء تستهجن ما عُدّ تطاولاً من شخص مغمور على علم كبير من أعلام الثقافة السورية. والأمر عند حسين جمعة والآخرين له أكثر من تصريف.
د. جمعة يرى أن الردود التي طالته شخصياً تأتي لأن «وراء الأكمة ماوراءها» حسب ردّه في جريدة تشرين. بينما يذهب الآخرون إلى أن د.جمعة جاء من خلف «أكمته» التي يعرفها الجميع. تلك «الأكمة» التي يرونها سبباً من أسباب الهشاشة التي أصابت ثقافة هذا البلد الكبير.
أقدم العواصم في التاريخ ستغدو بعد شهور عاصمة الثقافة العربية، ومع ذلك يتفق الكل على هشاشة مست الحالة الثقافية فيها. حتى غدت بلا معايير وبلا أخلاقيات.
هكذا يغدو الجميع خلف أكمة واحدة. إذ لا أحد يريد أن يرفع صوته ليصحح المسار.. فمتى نرفع صوتنا في وجه كل هذا الخراب؟
سألنا د. حسين جمعة ـ رئيس اتحاد الكتاب العرب عن حقيقة تصريحاته فقال:
أولاً أريد أن أبين ما يتعلق بهذه القضية من وجهة نظر القانون. لم يقم اتحاد الكتاب العرب برفع أية دعوى في الأصل، والذي رفع الدعوى هي السيدة فايزة شاويش أرملة المرحوم سنة 2000، من ثم نظرت هذه الدعوى أمام المحاكم المختصة حتى وصلت إلى محكمة الاستئناف المدنية في دمشق ـ الغرفة السابعة، ولم يصدر حكم قضائي حتى الآن علماً أن الاتحاد لم يستأنف هذه الدعوى، ومن ثم فإن عبارة المحامي كما هو مثبت في المذكرة المرفوعة لمقام المحكمة برقم 3255 لعام 2007 المقدمة لجلسة المحكمة بتاريخ 15/3/2007، هذه العبارة هي لو افترضنا جدلاً صحة اعتبار سعد الله ونوس من الكتاب. المقصود بهذه العبارة بأنه لم يكن عضواً في اتحاد الكتاب لأنه أعلن انسحابه على الملأ وفي مجالس عدة، وهذا الذي يقصد إليه المحامي في كل ما أبرزه.
الأمر الثاني الذي ينبغي أن يتعرف عليه الناس جميعاً، أن السيد ابراهيم حميدي صهر المرحوم سعد الله ونوس، قد أخذته الغيرة على المرحوم وزوجته، وهذا حقٌّ له لا نلومه عليه. لكنّه ذهب مذهباً بعيداً حينما رجع إلى محاضرة جامعية للأستاذ الدكتور حسين جمعة، وأظهرها من جديد، وأوهم الناس أن هذه المحاضرة قد ألقيت من قبل رئيس الاتحاد، وهذا ليس صحيحاً. ومن هنا تم الخلط، وبدأ الناس يتحدثون عن رئيس اتحاد الكتاب العرب وتشكيكه بإبداع المرحوم سعد الله ونوس.
المحاضرة الجامعية نصت على معالجة مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» في مجال استدعاء التراث، ورأي النقاد في ذلك، ثم انتهى الدكتور حسين جمعة في محاضرته إلى أن سعد الله ونوس أخذ من أبي خليل وطوّر، حتى عد واحداً من الرواد، وبذلك ترجمت مسرحياته إلى اللغات العالمية المختلفة. فهل هذا الكلام يدل على الطعن في سعد الله ونوس؟ أم يدل على احترامه.
من جهة أخرى، إن المحاضرة الجامعية لم يكتبها الأستاذ، وإنما كان الأستاذ يتحدث مشافهة ويكتب الطلبة وراءه، وما أوردته صحيفة تشرين منتزع من سياقه، إذ أن أي طالب يكتب وراء الأستاذ قد لا يستطيع أن يواكب المعنى، فلربما ينقص أو يغير.
أما بشأن الردود التي أثيرت فهي تدل على أصحابها، إنها مشكلتهم وليست مشكلتي، أنا لا يوجد لديّ مشاكل، وقد وجدت أن بعض الناس يريدون أن يضعوا كتاباً اسمه (الحيوان في الشعر الجاهلي) و(ابن المقفع بين حضارتين) دون الإشارة إلى بقية الكتب، وهذا يعني أن وراء الأكمة ما وراءها. فهم لا يريدون إلا الغمز واللمز والكيد.. فأين تذهب بقية الكتب الأخرى التي أصدرتها: (التقابل الجمالي في النص القرآني) وغيره من الكتب الكثير. ثمة قضايا شخصية، وقضايا معدة مسبقاً.
أنا لا أستطيع أن أقول من هو حسن.م.يوسف ولا فلان من الناس، فلكل تجربته التي يحترمها الناس، ولم يخطر ببالنا يوماً أن نتهم سعد الله ونوس بأنه ليس بكاتب أو مبدع..
آراء..
· عبد المجيد حيدر ـ سيناريست
لا يحق لحسين جمعة، لأنه حسين جمعة، أن يهاجم أو يقول رأيه بأي أديب. إن سعد الله ونوس صاحب تجربة طويلة في الترجمة، وهو علامة واضحة في المسرح والثقافة العربية. بغضّ النظر عن رأيي الشخصي في اقتباسات سعد الله ونوس الشرعية.
الموضوع الذي يستحق أن يناقش الآن هو: متى سننتهي من تقييم الآخرين بالكلام العشوائي وبالأحكام المجانية؟ متى سننتقل إلى الدراسة الجدية والموضوعية لأثر الآخرين الفكري والأدبي والفني؟ متى سننتهي من إعطاء الكتاب علامات كأنهم أطفال في مدرسة ابتدائية.
من ثمَّ على حسين جمعة أن يعرف أنه رئيس اتحاد الكتاب ليس لأنه أفضلهم. فمهمته الأساسية هي الدفاع عن مصالح الذين (انتخبوه) زعيماً لنقابتهم.
· أحمد عساف ـ قاص:
أعتقد أن مهمة اتحاد الكتاب العرب أن يدافع عن كتاب سورية، لا أن يهاجمهم. ثمة خطأ تاريخي ارتكبته رئاسة الاتحاد السابق بحق الأدباء السوريين عندما عزلتهم من الاتحاد دون أن تناقشهم كأدونيس وهاني الراهب وحنا مينة. قال لي المرحوم هاني الراهب: إني لم أكن يوماً مع التطبيع.. بل دعوت لفهم ثقافة الآخر، أسميت ابنتي «يافا»، وأنا أحب فلسطين. لقد حاكموني دون أن يحاوروني أو يسمعوا وجهة نظري.
من جهة أخرى لا يحق لنا أن نطلق الاتهامات باللصوصية أو بالسرقة دون أن نمتلك الدلائل. وأنا شخصياً لم أكن أعرف من هو حسين جمعة قبل أن يصبح رئيساً لاتحاد الكتاب. لكني بالمقابل أعتز بسوريتي لأن سعد الله ونوس سوري، فهو أحد الذين صنعوا هويتنا الثقافية.
· ثناء دبسي ـ ممثلة:
يعرف الجميع من هو سعد الله ونوس، فقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، وهو أيضاً أحد أهم أسماء الثقافة السورية، أما شخص مثل حسين جمعة فلا يستحق أن يُردَّ عليه، لأنه يأخذ قيمته إذا ما أعرنا تصريحاته النارية انتباهاً. المعادلة سهلة وبسيطة: يعرف القاصي والداني من هو سعد الله ونوس أما حسين جمعة فلا يوجد شخص يعرفه للأسف.
· آنا عكاش ـ مسرحية:
لا يعتبر الاقتباس سرقة أو انتحالا، وخاصة حين يشار للمصدر المقتبس منه. كما أن قيام سعد الله ونوس بالاقتباس لا ينتقص من قيمة أعماله شيئاً. لقد أحببت الأعمال الأخيرة لسعد الله ونوس، وأعتبر أن أهم ما كتبه هو «الأيام المخمورة» و«طقوس الإشارات والتحولات» و«منمنمات تاريخية» وبالنسبة لما قاله حسين جمعة فليس لدي تعليق.
علاء عربي كاتبي ـ مخرج سينمائي:
أنا لا أعرف شخصاً يدعى حسين جمعة. لكني قرأت جميع أعمال سعد الله ونوس، ولا يوجد لدي أدنى شك بنتاجه المسرحي والفكري فهما نتاجان مرتبطان سوياً.
أذكر أني شاهدت فيلماً وثائقياً لعمر أميرلاي عن حياة سعد الله ونوس. وهو رجل نظيف. وأكبر بكثير من أن يكون لصاً أو سارقاً.
· حسن حميد ـ رئيس تحرير الموقف الأدبي/ روائي:
الحوار الذي يثار حول ما كتبه الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب عن الراحل سعد الله ونوس يتموضع في موضعين اثنين..
أولهما: قانوني... يتعلق بدعوى رفعتها زوجة الراحل ونوس الممثلة فايزة شاويش على اتحاد الكتاب العرب (المؤسسة) طلباً لراتب تقاعدي للراحل، ومعونة وفاة مقدارها (مئتا ألف ليرة سورية).. علماً بأن الراحل ونوس انسحب من الاتحاد علناً، مع الأديب حنا مينة، احتجاجاً على فصل الشاعر أدونيس من عضوية الاتحاد. هذا الأمر القانوني متروك للقضاء ولا رأي لي فيه. فما يقوله القضاء يجري على الجميع، ويتم الأخذ به.
وثانيهما: محاضرة الدكتور حسين جمعة ألقاها على طلابه في التعليم المفتوح تطرق فيها، كما قيل: (فأنا لم أقرأ المحاضرة مكتوبة، ولا أريد أن أقول قولي مبنياً على أقوال الآخرين)، إن الراحل سعد الله ونوس استدعى التراث واستفاد منه في إحدى مسرحياته، وخصوصاً «سهرة مع أبي خليل القباني»... رأيي في هذه الجزئية (أعني الاستفادة من التراث) أن الأمر متاح للجميع، وكثيرة هي الأعمال التي تقوم على خبر أو تفصيل أو حادثة.. في ظني أن الدكتور حسين جمعة لم يرد التشهير بالراحل ونوس، ولم يرد أيضاً الإساءة إليه في هذه الجزئية تحديداً.. فالراحل ونوس قامة أدبية كبيرة، وليس قامة مسرحية فحسب وشهرته بنتها موهبة وثقافة، لا معرفة بالتراث.
· مجد الشيخ ـ صحافي:
أستغرب تصرف حسين جمعة، الذي يفترض به، أن يكون من خلال الموقع الذي يشغله، المدافع الأول عن أعلام الثقافة السورية. لقد استهدف حسين جمعة سعد الله ونوس ميتاً، وكان رئيس الاتحاد السابق علي عقلة عرسان قد استهدفه حياً، الأمر الذي يجعلنا نفكر ملياً بهذه المؤسسة (اتحاد الكتاب العرب) ليعاد الاعتبار لها. سيبقى سعد الله ونوس جزءاً راسخاً في وجدان كل محبي المسرح في سورية والعالم، أما هجوم حسين جمعة، فحتماً سيذهب أدراج الرياح.
· عبد القادر الحصني ـ رئيس تحرير الأسبوع الأدبي/ شاعر:
سعد الله ونوس مبدع كبير، ومفكر كبير في إبداعه. لم يتهمه أحد بالسرقة، ولن يستطيع أحد أن يتهمه من بعد. الأمر كما فهمته من خلال ما أثير ومن رد السيد رئيس الاتحاد، أن المدرس الدكتور حسين جمعة قال في محاضرة له أمام طلابه إن ونوس استمد معظم مسرحياته من التراث، وهذا يقع في النقد الأدبي تحت مصطلحات منها الاستلهام والاقتباس والتناص والإعداد، وبعض النقاد يسمون مثل هذا العمل سرقة.
إن ما قاله د. جمعة فكرة في مادة أكاديمية يسأل عنها كأستاذ جامعي، وليس بصفته رئيساً للاتحاد، لا سيما وأن هذه المحاضرة هي من محاضرات د. حسين جمعة. قبل أن يصبح رئيساً للاتحاد وأريد أن أتساءل؟ لماذا لم يثر هذا الموضوع إلى الآن؟
أليس من ينبشون مثل هذه الجملة من كلام محاضر في الجامعة ـ قيلت منذ سنوات ومن ثم يحملونها على المحمل الذي ارتؤوه، ألا يسيئون لسعد الله ونوس. أنا شخصياً لا أرى فيما ورد في المحاضرة اتهاماً لونوس، بل أرى فيه معلومة نقدية يرى د. جمعة أن بعض النقاد يقررونها على هذا النحو. أنا مع سعد الله ونوس قلباً وقالباً وأدافع بشراسة ضد من يتهمه مثل هذا الاتهام أياً كان المتّهم، ولكن إذا ثبت أنه جرى اتهام.