مختارات لا تنتظر الكمال أبداً
كنت أعتقد أنَّ عدم صناعة فيلم خير من الشّروع في عمل لا أؤمن به تماماً، غير أنّي توصلتُ إلى رأيّ مختلفٍ. فالمرء يتعلّم حتى من صناعة فيلم رديء، إذ ربّما قاده إلى شيء أفضل، ولو عملتُ أكثر لكان عملي أفضل.
والآن أعرف أنني في حالة حداد على كل تلك الأفلام التي كان يمكن أن أصنعها ولم تظهر إلى الوجود.
إنّ الخوف من الخطأ عقبة كبيرة. حين تخاف من ذلك تتوقف، وأنت عليك أن تتحرك بحريّة في ميدان الصراع. يجب ألا تنتظر الوضع الأمثل، واللحظة المثلى. وهذا ما أقوله حين يستثيرني مخرج شاب. وقد قلتُ للمخرج جيو سيب عندما فاز فيلم (سينما باراديسو) بالأوسكار: ((ها هي ذي لحظتك فاغتنمها! اصنع من الأفلام ما تستطيع! لا تنتظر الكمال. لا تنتظر شيئاً ولا أحداً. وأنت شاب تبدو الفترة الذهبية أبدية، إلا أنها سرعان ما تهرب. لا يمكن جدولة الفترة الذهبية كما تشاء. فهي تملك حياتها الخاصة، وتوقيتها المنفصل عنك، وأكثر الأشياء حزناً هو ألا تلاحظ تلك الفترة وتقدرها حقّ قدرها، ثم أن تتذوقها من غير أن تمددها. اصنع أفلاماً! اصنع أفلاماً كثيرة!)).
إذا كان لا بدّ من الخطأ، فارتكابه في الفعل خير من ارتكابه في اللا فعل. ولو أتيحت لي الفرصة ثانية لاغتنمتها، ولجازفت في صناعة فيلم قد لا يحقق أملي، مفضلاً على ذلك عدم صناعة أيّ فيلم على الإطلاق، لأنّ القصص التي لم أحكها ستموت معي في الحقيقة.
■ فيديركو فلليني
(أنا فلليني)