دريد لحام وقناة L.B.C. الدموع ليست في الصفقة!!..
خلا الدموع الكريستالية التي توفرها المسلسلات المكسيكية، فإن المؤسسة اللبنانية للإرسال: L.B.C تقف بضراوة ضد الأسى والشجن والدموع، وتعلن انحيازها الكامل والنهائي إلى الفرح والابتهاج بالصيغة الأكثر شيوعاً وسهولة: التهييص!.
والتهييص الذي تضخه وتبثه قناة الـ L.B.C يبدو في هذه المحطة أكثر من مقولة أو فضاء، إنه منظومة وربما يريد له أصحابه أن يصبح أكثر من ذلك.
إمبراطورية.. مثلاً، لا مجرد ماركة مسجلة كما هو الحال الآن. إذ يبدو أن طموحات المخرج سيمون أسمر تتعدى استقطاب الجمهور الكافي الذي يضمن المنافسة الإعلامية، والبقاء في قائمة الفضائيات الأكثر مشاهدة.
والبرامج التي تنطوي تحت هذه المقولة كثرة، وتتناسل باستمرار، بفوارق وهمية.. إذ لا أهمية كبيرة لاسم البرنامج أو المقدم أو الديكور، طالما أننا سنشعر ـ دائماً ـ بوجود سيمون أسمر (الأصح أن نقول توجيهاته): هذا المخرج الذي نحس بطغيان وجوده على الشاشة رغم ظهوره القليل!!..
«اكتشفنا البارود»، البرنامج الذي يعده ويقدمه طوني بارود، واحد من التناسلات الذي ينتمي إلى روح القناة، وبالتدقيق ـ قليلاً ـ بالعنوان نقع على شيء من التذاكي الذي يملأ نفوس العاملين فيه. فالبارود ـ هنا ـ إشارة إلى طوني بارود نفسه، لاعب كرة السلة، الذي ابتعد عن الملاعب نتيجة إصابة قاسية، ولأن قناة الـ L.B.C كانت تتحمس لكرة السلة في تلك الفترة بشكل جنوني، ارتأت أن تستثمر هذا اللاعب الشاب، وأن تضمن له البقاء في الملاعب، ولكن كمعلق رياضي هذه المرة. والحقيقة أن طوني بارود أظهر موهبة حقيقية في التعليق على المباريات، واستطاع أن يحقق حضوراً خاصاً وأن يخلق جمهوراً عريضاً، ولكن ما العمل إذا انتهى الموسم الرياضي، كيف سيتم استثمار هذا الاكتشاف؟!..
ثمة معنى آخر في هذا العنوان.إلغاز يومئ إلى اكتشاف البارود في حياة أو مسيرة الضيف الذي سيستقبله طوني بارود في هذا البرنامج.
آخر ضيوف البرنامج.. كان الفنان دريد لحام، وكان المشاهدون (الأعزاء!!) على موعد من الاكتشافات، ومن مكامن البارود (!!)، التي أقل ما يقال فيها أنها باهتة،أو بائتة. ولكن لم لا؟!.. المهم استثمار واستقطاب جمهور غوار الطوشة، واستدراج دريد لحام إلى رواية الطرف والنكت والمقالب. والمفارقة أن المشاهد يستطيع أن يعرف ـ دون عناء كبير ـ أن هذه الروايات كانت تتم بالاتفاق المسبق. ولولا «موهبة» دريد لحام، وحذاقته ومرونته.. لخرجت الحلقة أكثر فتوراً وسماجة!!..
«الإضحاك» كان هدف البرنامج.. بلا مواربة، ودريد لحام بذل جهداً مضاعفاً لترميم الفجوات الناتجة عن ردود الأفعال الباردة واللامبالية، ولتقويم الإيقاع الناتج عن التكسير والتدخل الغبي.
ولأن الإضحاك هو الهدف الأكثر منشودية، فلا معنى ـ إذن ـ لمساحات الحزن التي باغتت دريد لحام، التي مرت دون تعليق من المقدم الموهوب (ودون تصفيق من الجمهور!!). لقد ذهبت هباءً دموع الفنان السوري، لأنه لم يحسن التوقيت!. البكاء ممنوع في قناة الـ L.B.C. هذه المرة لم يكن دريد لحام حاذقاً!!.
لا يمكن لأي إنسان طبيعي أن ينحاز إلى الدموع مقابل الضحك، إلى الحزن مقابل الفرح. ولكن ماذا لو طفرت عينا المرء ببضع دمعات. حسناً، ليفعل ذلك على حسابه! وليس على حساب جمهورنا. وربما يكون في الأمر سر آخر ناتج عن ارتباك مقدم البرنامج. فالدموع ليست في الصفقة!.
أكثر من مرة بكى دريد لحام، مرة وهو يشاهد مقطعاً من أعماله الأولى، وهو يؤدي شخصية كارلوس. المقطع الذي بُثَّ أصلاً لإضحاك الجمهور أحدث مفاجأتين صغيرتين تمّ تلافيهما بسرعة. المفاجأة الأولى أن ذلك الشريط لم يكن بحوزة دريد لحام، والثانية أنه أبكاه!!.
ومرة أخرى، عندما أهدى البرنامج ضيفه شجرة أرز، لتزرع في أرض الباروك باسم دريد لحام (وهذه فكرة ذكية، فعلاً، ولا يمكن أن توجد عندنا رغم كل ثقافة التشجير!!).
البرنامج ـ أيضاً ـ في فكرته العامة يعتمد وسائل إيضاح أو مساعدة، على الطريقة المدرسية، (الأصح.. الطريقة التي توصي بها المناهج المدرسية، فنحن لم نرَ تلك الوسائل، وربما تربكنا بوجودها!). مثلاً، إذا كان السؤال التالي سيدور حول حادثة تدور بدورها حول منشفة، فإن المقدم سيلف نفسه بمنشفة. وهكذا.. فإن الطاولة ستمتلئ بالأدوات التي ستعمل بمثابة بوصلة للانتقال من حادثة إلى أخرى. ولأن دريد لحام كان مدرساً للكيمياء، فطبعاً.. ستحضر القوارير والأنابيب والحوجلات. والحديث عن الكيمياء سيقود بطبيعة الحال إلى الكيمياء الموجودة بين دريد لحام وبين الجمهور تعبيراً عن علاقة خاصة ونادرة.
المذيع «الحاذق» أراد أن يجامل الضيف أكثر فأكثر، فأضاف: بينك وبين الجمهور كهرباء، أيضاً. لكن دريد لحام انزلق بزلة لسان: ولكنها تنقطع أحياناً. ثم أضاف: الكهرباء تنتمي إلى علم الفيزياء، وليس إلى علم الكيمياء.
كل ما أضافه الفنان دريد لحام كان صحيحاً، فالكهرباء تنتمي إلى الفيزياء، والكهرباء بينه وبين الجمهور مقطوعة، وليس السبب «سياسة التقنين» كما ادّعى!!..
«الكهرباء بيني وبين الجمهور مقطوعة بسبب التقنين» أكثر من محاولة للتنكيت، إنها محاولة لإخفاء (الأمر الواقع)!..
■ طارق عبد الواحد