باموك في القاهرة: لماذا لم يشر حامل نوبل التركي إلى ترجماته السورية؟
في لقاء في معرض القاهرة للكتاب، أبدى الكاتب التركي أورهان باموك حامل جائزة نوبل للآداب، امتعاضه من ترجمة أعماله إلى اللغة العربية عبر اللغة العربية عبر لغة وسيطة، ويبدو أنه كان يشير إلى مشروع الهيئة المصرية العامة للكتاب لترجمة رواياته عن الإنكليزية، وكأن باموك لم يسمع أن أعماله الرئيسية قد ترجمت ومنذ وقت مبكر إلى العربية في سورية،
فقد نشرت وزارة الثقافة روايته الأولى (وبالطبع لم تعد الوزارة طباعة الرواية كما هو الحال مع جميع منشوراتها)، هذه الرواية التي تروي تاريخ بلد عبر سيرة عائلة، نقلها عن التركية فاضل جتكر الذي قدم مبكراً كتاباً أتراكاً مهمين مثل أورهان كمال وعزيز نيسن إلى القارئ العربي، قبل أن ينتقل إلى الترجمة عن الإنكليزية في مجالات غير أدبية، وبغض النظر عن سوية ترجمات باموك السورية الأخرى، والتي رأى البعض أنها ترجمات دليل سياحي لا مترجم أدبي، ينقل المعلومة لا روح النص الفني، إلا أن جهل باموك بهذه الترجمات هو الذي يثير الاستغراب، باموك الذي كان من المقرر أن يزور دمشق قبل أعوام ليلقي محاضرة في المركز الثقافي التركي، لكنه لم يتمكن من الحضور بسبب المرض كما قال المركز حينها، ولأسباب أخرى كما رأى مطلعون في وزارة الثقافة هل نعاني من عزلة؟ هل نحن عاجزون عن تسويق أنفسنا: السؤال الذي يطرح نفسه هو بالشكل الصحيح؟ تحدث باموك في القاهرة عن الإرث الحضاري المشترك، هذا الإرث الذي هو أكثر جلاءً في سورية، من العمارة إلى المطبخ إلى مفردات الكلام إلى العادات، وللجغرافيا دور أيضاً فليست التركية لغة غريبة في بعض المناطق السورية، والعلاقات الثقافية والعملية قائمة على قدم وساق، والعلاقات الرسمية جيدة وهي في تحسن مطرد هل سنرى باموك في دمشق قريباً، في معرض الكتاب في مكتبة الأسد. على جميع الصعد أيضاً، وتشكل هذه المناسبة «دمشق عاصمة الثقافة العربية» مثلاً، وبعدها لدينا استحقاق فرصة لإبراز ريادة السوريين في نقل ثقافات أخرى إلى الثقافة العربية، ومنها التركية، بل والفرنسية (اللغة الإسبانية) والروسية والأمريكية اللاتينية فأعظم كتاب اللغة الفرنسية مارسيل بروست نقل أعماله إلى العربية سوريون، لكن كتبه تطبع في مصر ولا تجد الفرصة حتى للتوزيع في سورية.
مما اضطر باموك للحديث بالإنكليزية في الندوة التي أقيمت له، مشكلة كهذه ما كانت لتوجد في دمشق، فهؤلاء المترجمون متوفرون بكثرة من السوريين والأتراك، ولدينا أخيراً قسم للغة التركية في جامعة حلب، ودروات لهذه اللغة في مراكز اللغات في الجامعات السورية.
باموك الذي غادر تركيا إلى الولايات المتحدة قبل أشهر ها هو يعود الآن، لكنه يعيش في عزلة لشعوره بوجود تهديدات جدية على حياته، وهو الكاتب الذي لم يتوقف عن مساءلة مسلّمات تاريخية واجتماعية كبرى، شاءت الصدفة أن يأتي سفر باموك ثم عزلته بعيد أول اتصال له بالعالم العربي، قد نتفق مع باموك سياسياً وفكرياً أو لا نتفق، لكن الأمر الأكيد أننا نضيع الوقت والجهد والفرص وأننا مقصرون في مجال الإدارة الثقافية والتي لا ينبغي أن تكون حكومية فحسب.
ترجمت في سورية مرتين إحدى روايات باموك وقبل فترة. والثانية في دمشق لعبد القادر عبد الللي مترجم معظم أعمال باموك ومن «جودت بيك وأولاده» صدرت في دمشق ترجمة جديدة لرواية باموك الأولى، ورغم أن تعدد الترجمات أمر شائع (الترجمة الكاملة) الطريف أن الغلاف حمل عبارة خاصة حين يتعلق في ثقافات مختلفة لكنه غالباً ما يعني أن التجويد والمقترحات الجديدة ولا يعني المضاربة والافتقاد إلى التنسيق الواعي أو غير. الأمر بالأعمال الكبيرة الترجمات المتعددة كما لدى الأمم المتحضرة ترف لا ندعيه، فحركة الترجمة. الواعية لدينا اعتباطية وعشوائية ومحدودة، وقد لا يقوم بها من هم الأصلح، ربما نحتاج إلى مؤسسات حقيقية تقوم بتكليف من يملكون مؤهلات أصيلة، وحيث لا تكون الصراعات والربح هي الأولوية، قد تكون ميزة الريادة التي لم نستفد منها بحد ذاتها تتطلب مراجعة، وقد نجد أنفسنا مضطرين لإعادة ترجمة هذه الأعمال.