رجل وامرأة يخسران الرهان في لعبة الزمن الحياة «فوتوكوبي» عن الحياة..

عرضت على خشبة مسرح القباني مسرحية «فوتوكوبي» المأخوذة عن نص «الطابعان» للكاتب «موري شيزجال». إخراج ماهر صليبي وإعداد آنا عكاش وماهر صليبي، وتمثيل محمد حداقي، يارا صبري، ومنصور نصر.

والعرض تراجيكوميديا تعالج مجموعة من القضايا من خلال قصة شابين «مروان وليلى» المحملين بالكثير من الطموحات والأحلام واللذين يضطران إلى العمل كطابعين في إحدى المديريات أو المؤسسات الصغيرة من أجل كسب لقمة العيش مفترضين منذ البداية أن هذه المرحلة انتقالية في حياة كل منهما، إلا أن هذه المرحلة الانتقالية تستمر لأكثر من خمسين عاماً ، إذ تمتد أحداث المسرحية منذ نهاية الستينات وحتى اليوم ، ولتتكسر بالمقابل آمال هاتين الشخصيتين على عقارب الزمن البطيء والثابت ولتتحول حياتهما في النهاية كلها إلى مرحلة انتقالية .

يحاول العرض أن يطرح أسئلة أكثر من تقديمه للإجابات ،حيث يعري تفاصيل تتعلق بحياة الشخصيتين اليومية .

 فمروان الذي لعب دوره الممثل محمد حداقي، شاب طامح يحلم بالاتكاء على هذا العمل البسيط لإكمال دراسته كمحام، يحاول مراراً الخروج من قبضة الزمن القاسية إلا أنه يفشل في كل مرة ويصل به الأمر إلى افتعال شجار مع مديره مقرراً ترك عمله إلا أن وطأة الحياة هي التي تعيده بائساً معتذراً إلى مكانه.

مأساة «مروان» أنه مدرك تماماً لما تحُّل به من مصائب، ولعله يسير إليها بقدميه بحكم حتمية الحياة الاجتماعية الجامدة التي تشبه الحتمية القدرية، فهو يتزوج وينجب أطفالاً ويعاني الفقر والفاقة، لكنه غير قادر على الخروج من قوقعة هذا المكتب البائس، لذا يعلن في كل مرة «أن هنالك سوء تفاهم»، ويصل إلى نهاية المسرحية بعد خمسين سنة تقريباً وهو ما يزال في السنة الثانية لدراسته الجامعية.

أما «ليلى» التي لعبت دورها الممثلة «يارا صبري»، فهي ضحية نمطية لمجتمع ذكوري لم يتغير على مدى خمسين عاماً إزاء قضية المرأة، ورغم امتلاكها مؤهلات التطور والخروج من هذا المكان، إلا أنها في كل مرة تعود خائفة من الخارج المجهول والغامض الملامح.

الحب الحاضر دوماً في كل زمان حاضر في هذه المسرحية إلا أنه كالشخصيات التي تقيمه مرتبط دوماً بسخرية العقارب ودورانها المتواصل ليترهل هو الآخر كما ترهلت الشخصيات في نهاية المسرحية.

أما «أبو عبدو» خادم المكتب الذي لعب دوره الممثل «منصور نصر»، فقد دفع ثمن المعرفة بقطع لسانه بعد اكتشافه لإحدى قضايا الفساد، وهو أيضاً يحاول أن يعيش حياته، إلا أنه يقمع في كل مرة، لكن ليس من الزمن فقط، بل من شخوص المسرحية المقموعة أيضاً: «حين تصرخ فيه ليلى أن يسكت المذياع الذي يرقص على أنغامه أو يصعقه مروان بسؤاله له إن كان أخرس»، وكأن العرض أراد أن يقول أننا كلنا مشتركون في هذه اللعبة.

 التكرار والوقوع في فخ المباشرة هو ما شاب المسرحية في بعض الأحيان، سواء من حيث الحوارات أو حتى على صعيد الحلول الإخراجية، والتقابل بين ما تفعله الشخصيات «كحديث الشخصيات في الهاتف، أو استخدام الراديو غير المبرر في أحيان كثيرة».

 حتى بدا من الممكن إزالة مشاهد بكاملها من العرض دون أن تؤثر على سويته أو إيقاعه، كما هو الحال في مشاهد بوح الشخصيتين، وحديثهما عن ماضيهما، حيث أن الانتقال بين زمن الآن وهنا، وزمن إلقاء تلك المونولوجات الطويلة، لم يكن مبرراً كفاية، إضافة إلى وقوع الممثل حداقي في فخ التهريج في لحظات قليلة.

مسرحية «فوتوكوبي» حاولت تقديم «فوتوكوبي» عن الحياة المأساوية للشريحة الأكبر من المجتمع، وإن كانت قد أفلحت في أماكن وأخفقت في أماكن أخرى، إلا أنها عموماً استطاعت أن تشير إلى بعض مواطن الخلل في كل ما نعيشه من روتين وتكرار امتد حتى فرض نفسه حتى على ديكور المسرحية الذي ضاق تباعاً مع تقدم العرض، ليعكس التناقضات الحادة التي تعيشها شخوص المسرحية كنتيجة حتمية للتفاوت الهائل بين آمالها وأحلامها وبين ظروف الواقع القاسية والحتمية، وهو ما نعيشه اليوم جميعنا في ظل هذا الثبات المخيف باعتبارنا «فوتوكوبي» أيضاً عن هذه الشخصيات.

■  زاهر عمرين

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 12:37