النحت في مشتى الحلو ينتصر على الرطانات اللغوية
تستمر أيام ملتقى النحت العالمي في مشتى الحلو، بمشاركة عدد من الفنانين العالميين: رينو جيناني (إيطاليا)، فرانكو داغا (استراليا)، ايفان ميلنكوف (روسيا)، ماريو تابيا (الإكوادور)، نيكول فيري (فرنسا)، ساسون نيغيباريان (أرمينينا)، سوزان باوكر(المانيا). ومن سورية يحضر الفنانون: أكثم عبد الحميد، محمد بعجانو، هشام الغدو، فؤاد أبو عساف، سيلفا ملكيان، همام السيد، سماح عدوان، عيسى ديب.
إن زيارة الملتقى في أيامه الأولى تتيح للزائر أن يقيم علاقة مختلفة مع المناخ العام. فهذه المرة لن يعاين المرء المنحوتات في شكلها وصياغاتها النهائية، بل سيكون الأمر أقرب إلى معاينة ومراقبة لحظات الخلق الفني، وهي تنتقل من ساحاتها الغامضة إلى حيز الواقع.إنها لحظات مخاض وولادة بكل معنى الكلمة.فالمنحوتات ـ الآن ـ ليست منصات، وليست نصوصاً ناجزة، بل هي في طور التشكل والتخلق، وتلمس البدايات الأولى للحياة.
ويمكن التفكير بأن ورشة الملتقى هي غرف سرية في الهواء الطلق، لذلك يبدو من المثير الاقتراب من الفنانين وهم على عتبات الانجاز، بالعرق الذي يبللهم، والغبار الذي يقلص المساحة بين النحات والحجر.في بعض الأحيان، وفي لحظة هاربة من التعقل، يمكن الإحساس بان الحجر هو من ينحت الفنان، أو على الأقل، هي لحظة تبادل في النحت بين الكتل الرخامية والوجوه المغبرة.
أيضاً.. ثمة مقاربات يمكن أن تعني الكثير، خاصة لجهة طبيعة المزاولات الشخصية في ارتياد الحجر، وطرق التعامل معه، والإحساس به. بعض الفنانين وضع (ماكيت) وتصوراً للعمل الذي يعمل به، بينما فضل البعض الآخر فض عذرية الكتل من دون تخطيطات مسبقة. فرانكو داغا الذي يعمل الآن على منحوتة باسم (wild spirt of love)، يستجيب لمقترحات الحجر لحظة بلحظة.إنه يقيم حواراً مع الكتلة من دون أن يرغمها على تصوراته، هذه طريقتي في العمل، يقول. لكن ماذا لو اقترح العمل شيئاً منافياً؟
ماريو تابيا، أيضاً، يعمل بالطريقة نفسها، منذ اللحظات الأولى رمى الماكيت جانباً، بين مخلفات وبقايا المنحوتة. صلابة المخيلة هي محنته الآن، وهو يشكل المرأة العاشقة الحالمة بالطفل القادم، والذي ما يزال جنيناً حتى هذه اللحظة.
محمد بعجانو يعمل على انجاز منحوتة لمريم العذراء مع طفلها يسوع، ويحاول أن يتمم عمله بحيث لا يكون تقليدياً.يريد من العمل أن يحمل الخصوصية السورية، في الإحساس والتعبير وصيغ الإخراج.
الجميع منصرف إلى عمله، والزائر، وحده، يمكن أن يبدل خطته لصالح اكتشافات أخرى، لن تعيقها الرطانة اللغوية التي يمارسها الجميع، بسبب غياب لغة يتقنها الكل، فأكثر النحاتين الأجانب لا يتقنون الانكليزية، وهكذا تنتصر الإشارات، وتعابير الوجه، على اللغات العالمية!! يمكن الاقتراب أكثر من عالم النحت وفضاءاته، فالصحيح، أيضاً أن جميع النحاتين يتحدثون الآن لغة واحدة: لغة النحت!
الزيارة الأولى إلى ملتقى مشتى الحلو في أيامه الأولى، تقّدم فرصة ممتعة، ليس فقط على المستوى الأفقي حيث الطبيعة الخلابة، بل أيضا على المستوى العمقي، الارتوازي، حيث يمكن التفكير باحتمالات الجمال التي تحتويها الصخور الراقدة هناك.
الطبيعة تقدّم اقتراحات في الجمال، لكنّ المهمّ أن نلتقط الشيفرة، ونخلق الجمال مع الطبيعة جنباً إلى جنبٍ، وهذا ما يفعله المشاركون في الملتقى.