وسام كنعان وسام كنعان

الليغرو... محاولة عاثرة لتقديم رؤى إخراجية مميزة...

هي المرأة أماً، وحبيبة، وطفلة، هي صاحبة الشراكة الأبدية الأزلية، وربما لأنها كذلك ينطلق العرض المسرحي (الليغرو) للمخرج الشاب (عروة العربي) الذي قدم على خشبة مسرح الحمراء بفكرته من امرأتين تتقاطعان بكثير من الأشياء، بدءاً من الاسم (ليلى) مروراً بالتناقضات والإشكاليات التي تعتري حياتهما وصولاً للجانب الأهم وهو محور العرض الرجل الذي أحبته كلاً من الإمرأتين.

تبدأ القصة بوصول ليلى العاشقة (رغدة شعراني) إلى منزل ليلى الزوجة (زينا حلاق) ويبدأ التعاون بينهما، فتروي كل منهما قصة عذابها بالحياة الذي كان لمراد (جلال شموط) رجلهما المشترك الدور الأكبر في هذا العذاب.

تحكي العاشقة عن تاريخ حبها وتجاوزه للزمان والمكان، تحكي بذاكرة متقدة تفاصيل عاشتها في حارات دمشق القديمة، تحكي عن حب ببعد السماء وسعة البحار، الحب الذي ينتهي بعناق موجع تكلله رائحة الياسمين، وفراق الوقت الذي تحكي فيه، الفراق الذي جعل العاشقة تنزل لتبحث عن عشيقها في الأسواق والأماكن العامة، حتى يظنها الناس أنها عاهرة، ويقودها فضولها إلى أوكار ذئاب افترستها، لكن لم يحط ذلك من عزيمتها أبداً، وتستدل على بيته لتلتقي زوجته الرافضة لوجود أية علاقة لزوجها من قبل، وتطلب من العاشقة الرحيل ثم تتراجع في اللحظة الأخيرة، وتفتح قلبها لتحكي عن الحقيقة التي جعلت زوجتها يرتبط بها.

حقيقة المال والجاه والمنصب، كل ذلك الخصب الذي انتقل للزوج بمجرد وفاة والد الزوجة، ليظهر وجه (مراد) الحقيقي، ما يدفع الزوجة للانتحار لكنها تفشل.

تحكي الإمرأتان، بينما ينتقل الزوج والعاشق في عمق الخشبة بطريقة توحي بالتأكيد على صدق ما يقال، دون النطق بكلمة واحدة، ليبقى هامشاً أو خلفية للقصة.

عناصر القصة تبدو أنها مكتملة بالعاشقة الزوج والزوجة، إلا أنه كان للمخرج (العربي) رأيٌ آخر، فقد أقحم عازف الغيتار (نديم حسني) بالعرض رغماً عن أنوف الجميع.

ليصعد الخشبة من بين الجمهور معلناً بدء العرض، ويلازم الخشبة فترة طويلة من العرض مع العزف الحي الذي شكل جزءاً من موسيقى العرض، ولم أستطع إيجاد مبرر واحد لوجود العازف على الخشبة، وعدم استعاضته بموسيقا مسجلة، لا سيما و أنه بداً يتنقل بحركات متثاقلة، وخطوات مربكة جداً على المسرح، حتى ظهر مقحماً بخطواته تلك، وكأنه قطعة ديكور وضعت بشكل خاطئ.

ثم إنه على الرغم من سوية الحوار العالية في العرض فالنص للكاتب (آلان كناب)، إلا أن عثرات المخرج بدت واضحة منذ صعود العازف للخشبة، إلا لمحاولاته تقديم رؤى إخراجية مختلفة، وغير تقليدية، حتى وإن كان ما يقدمه ليس له أي معنى أو دلالة متجاهلاً أنه لا بد من وجود بعد تعبير أو رمز، لكل ما يقدم بفضاء الخشبة، فما معنى أن ينزل الضوء من السقف، بسرعة عالية، ثم يرتفع بمحاولة سريالية للربط مع ما يدور من حوار على الخشبة، وما معنى أن ينزل كرسيان من السقف لتجلس عليهما الممثلتان.

المسرح كان خالياً من الديكور باستثناء الكرسيين، حاول المخرج الاستعاضة عنه بالإضاءة التي وفق بها إلى حد كبير، فساهمت بإضفاء حركة وروح على العرض، لكنه يعود (المخرج) لإخفاقه باختيار الموسيقى، سواء التي عزفها (حسني)، أو الموسيقى المسجلة، فللحظة معينة يظن المشاهد أن الموسيقى مستوحاة من أفلام الكرتون، وتحديداً من أفلام (توم وجيري) الشهيرة، حيث التنغيم على الغيتار بطريقة مزعجة، بعد كل جملة كانت تقولها إحدى الممثلتين، وكذلك هو الزج بمقطوعات موسيقية صاخبة إلى حد الهيستيريا، ولفترات طويلة نسبياً ما اضطر بعض الجمهور وضع أصابعه في أذنيه.

أما عن أداء الممثلين، وبغض النظر عن العازف الذي يتحمل مسؤولية إخفاقه المخرج، فلم يكن جلال شموط مقنعاً إلى حد كبير، رغم بساطة دوره الذي اقتصر على الظهور القليل وعدم الكلام، فقد نقصته المرونة وسرعة الحركة، فبدا وكأنه يؤدي دوراً غير مقتنع به، أو كأنه يؤدي تحصيل حاصل، رغم ادعاء هذا الممثل الخبرة، وغناء الحركة المسرحية السورية إلا أنه لم يبرهن على صدق ادعائه بدوره المتواضع.

بينما كانت زينا الحلاق محاولة، إلى أبعد درجة ممكنة، تجسيد الدور بصدق، وإعطائه حقه لإقناع الجمهور بما تقدم، لكنها ظهرت منفعلة، مبالغة، بكل كلمة تنطق بها، مضطرة للصراخ بأعلى صوتها دائماً في محاولة لإيصال إحساس الشخصية للمتلقي، فأداؤها ليس إلا انفعالات غير مقنعة، مما جعلها تبدو غير منسجمة مع شريكتها رغدة الشعراني، التي كانت على العكس منها واثقة، من خطاها، متصلة الأحاسيس بالمتلقي، متقنة أداء الشخصية، ولم تنقصها سلامة الصوت، وليونة الجسد الفائقة التي تذكر بأداء الأشقاء التونسيين، فقد أحاطت رغدة بجوانب الشخصية، مقدمة بأدائها خبرة سنوات طويلة، وعلاقة حميمة مع الخشبة، وهكذا بدت الهوة واضحة بين أدائها المحترف، وأداء الحلاق المفتعل... وربما كان للشعراني الفضل بإنقاذ العرض من السقوط النهائي، وقد تكون السبب الأساسي وراء بقاء الجمهور متابعاً حتى نهاية العرض، لتكون الجانب الأكثر إشراقاً ونجاحاً بالعرض.

(الليغرو) امتازت بسوية الحوار العالية، ليكتب لها النجاح على صعيد الإعداد، فيما اعترتها عدة إشكالات وعثرات بسبب المخرج عروة العربي... ولكنه، حتماً، لم تكن تنقصه روح الحماس، لتقديم الجديد والمميز على صعيد الإخراج.

المشكلة في الرؤية الإخراجية الجديدة أنها لم تستطع الإقناع، والوصول للجمهور، بشكل صحيح، طالما ينقصها الدراسة المطولة والمقنعة والدلالة العميقة.