مسلّات الضمير
كل حكم ونظام جديد، يشذب ويطعم طاقمه الإعلامي والثقافي والفكري والفني.
ويشكله على شاكلته، ليعكس خطه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويدافع عنه بضراوة، معاهم معاهم، عليهم عليهم.
فإذا كان النظام ديمقراطياً، والديمقراطية نسبية وطبقية في كل المجتمعات، يلجأ في تشكيل أجهزته هذه، إلى أجراء مسابقات ليختار الأفضل من بين المتسابقين، رغم أنها لا تخلو من نقص بعض الشفافية والمصداقية والمحاباة.
أما إذا كان الحكم قمعياً متسلطاً على مقدرات شعبه ووطنه، هو أيضاً يلجأ إلى مسابقات صورية، ليضفي طابع الشرعية عليها، في حين أن أسماء الفائزين فيها معروفون ومحددون قبل إجرائها، لذا يتسابق الانتهازيون والوصوليون ويتدافعون على عتبات أبواب الموظفين المسؤولين والمتنفذين والأجهزة..
ليحصل كل واحد منهم، على شهادة حسن سلوك، والأهلية المهنية والتزكية التي تتبوأه الفوز بالمنصب المطلوب، ليقوم بالدور المطلوب منه، ومقياس ثباته في وظيفته وتقدمه فيها، يرتبط بمقدار براعته وحجبه في إقناع الرأي العام، بصحة سياسة الحكومة، واستجرار التأييد والتصفيق لها، ولهذا المسؤول أو ذاك، ولو على حساب قناعته وكرامته.
قبل سنوات، تابعت باهتمام مقابلة أجراها تلفزيون لبناني، مع الدكتورة نوال السعداوي، قالت في معرض نقاشها:
ـ إن المرأة التي تبيع جسدها، يدعونها عاهرة، وهذا ينطبق على الرجل أيضاً.
سألتها محاورتها؟
ـ كيف يكون ذلك؟ أجابت:
ـ إن الرجل الذي يبيع جهده، ويسخر قلمه وفنه وفكره، وفي تبييض صفحة حكم وحكام جائرين، هو أيضاً عاهر داعر، لدوره السلبي من قضايا الشعب والوطن، لأنه يقلب الحقائق رأساً على عقب، ويدافع عن الباطل ويحمِّل القمع والاضطهاد والفساد، ويساهم في استمرارهم، عوضاً عن أن ينتقد النواقص والمظالم، ويفتح عيون الشعب عليها، ويحرضه لإزالتها.
لو جرى تعميم قاعدة الدكتورة نوال السعداوي، وتطبيقها في معظم بلدان العالم الثالث على شاغلي ميادين الإعلام والفكر والفن، ترى كم تبقى نسبة الذين لا يسقطون من هذا الغربال واسع الفتحات، وينجون من هذه الصفة التسمية؟
ليتلمس كل فرد من هؤلاء طاقيته، فمن في ظهره شوكه، تنخزه اللهم إلا إذا كان جلده قد تتمسح بالمكتسبات، وبات عصياً على وخز مسلات المصداقية والضمير.