ربّما! مهنة الموت
لم تحمل الصفحات الثقافية، في الأسابيع الأخيرة، إلا أخبار الموت. كتّاب بقامات باسقة تطوى صفحاتهم، ويتحولون إلى مجرد أخبار في أعمدة النّعي، وأعمالهم التي قضوا العمر في توريقها تغدو عناوين، لا أكثر، تخبر من لا يعلم أن كاتباً غادر العالم، إذا كان هناك من يهمه الأمر؟
موت الكاتب، الآن، أمرٌ عادي جدّاً، وليس بذي شأن على الإطلاق. فهؤلاء الذين يعطون الحياة اسمها وشخصيتها، ويرسمون الوجود الإنساني في أبعاده الحقيقية، لا يعنون شيئاً أكثر من خبر عادي، في عداد الأخبار العادية الأخرى!
لا أدري لماذا كلّما مات كاتب أشعر أن الأرض تصغر بضعة أمتار، وأن فكرة الحرية تتأكد في كونها سراباً! لا أدري لماذا أفكّر بالحصول على آخر ورقةٍ كان يلوّث بياضها، وآخر قلمٍ كان يرتجف بين أصابعه..عسى أمسك تلك الحرارة التي لن يكون لها مكان على الأرض بعد الآن!
مأساة الكاتب العربي أنه محكوم، مسبقاً بموت سريري. فمنذ اللحظة الأولى، وحتى آخر نفسٍ في تجربته، عليه أن يحارب على جبهتين؛ القراءة والنشر.. إذ قلّما تُقرأ الأعمال بالصورة المرضية التي تجعل من صاحبها يحسّ بالجدوى، كما أنّ الكتابة، في ثقافة عربية عريقة لا تطبع أكثر من ألف نسخة، لا تعود عليه بما يضمن حياة كريمة. هذا غير الحياة الحربية، الدائمة الاستنفار، مع النص وفيه ومن أجله.
لكنه شرفٌ (ربما تعني هذه الكلمة هبلاً عند كثيرين) للكاتب العربي أنه لم يستطع أن يكون نجماً، بحيث يكتب ما يروج وينتشر، دون قيمة طبعاً، في ثقافة لم تعد تفرّق بين أثداء هيفاء وهبي ونظارة محمد حسنين هيكل.
وإذا كنا سنختلف حول أسئلة: «ماذا يكتب؟» و«لماذا؟» و«كيف؟».. في اللحظة الراهنة، السؤال الذي لا جدال عليه: «ما الذي تعنيه الكتابة؟»، لأن الجواب اليتيم هو: «نحت تابوت، حفر قبر»..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.