21 عاماً على استشهاده: مهدي عامل.. «غرامشي» العرب
إبان اشتداد الحرب الأهلية في لبنان، وفي ظل الاقتتال المشتعل بين الطوائف، جرت تصفيات واستهدافات لعدة شخصيات سياسية ومفكرين كانوا يحاولون من خلال ما يكتبون إخراج لبنان من الزوبعة التي كانت تعصف به، ففي الثامن عشر من أيار لعام 1987، سقط حسن حمدان، المعروف باسم مهدي عامل، شهيداً في شارع الجزائر في بيروت.
ولد مهدي عامل في عام 1936، وحصل على شهادتي الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون بفرنسا عام 1960، انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس من عام 1987، لكنه سقط شهيد الاقتتال والصراع على النفوذ.
استخدم مهدي في كتاباته الفكر الماركسي، واتخذ المادية الديالكتيكية والتاريخية كأساس لتحليل واقع الوطن العربي من خلال لبنان نموذجاً، لتعدد طوائفه واتساع الفارق بين الطبقة العاملة والبرجوازية اللبنانية.
يقول فيصل دراج في إحدى مقالاته عنه: «احتل مفهوم التاريخ حيزاً، أساسياً في مشروع مهدي عامل، من ناحية الموقع الذي يفصل بين التصور الماركسي للتاريخ والتصورات المغايرة له، وهو، من ناحية ثانية المفهوم الذي شرح به مهدي مواضيع متعددة».
وفي الوقت نفسه لم يكن مهدي إلا من أشد المتفائلين بالطبقة العاملة من خلال دورها في تغيير وجهة التاريخ وقلب موازين القوى لمصلحتها، وقد شدد على دورها في معظم كتاباته فكتب: «إن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي لا تخاف من ثورتها، بل الوحيدة التي تملك القدرة على الذهاب فيها حتى النهاية، أي حتى نهاية ما قبل التاريخ البشري، وبداية التاريخ الإنساني للبشرية، دون أية مساومات، مع الطبقة المسيطرة السابقة، فجذرية ثورتها هي التي تجعل منها ثورة سياسية صريحة، دون حاجة لتمويه الطابع السياسي للصراع الطبقي، أولتغييبه». كما كان شديد الانتقاد للصراع والنظام الطائفي الذي كان يحصل في لبنان، وكان يرى هذا الصراع بأنه أداة تفكيك وتدمير لجهاز الدولة وإحلال لنظام دولة الطوائف كبديل للدولة المدنية ويرى أن الدولة الطائفية «ليست الطوائف طوائف إلا بالدولة، والدولة هي التي تؤمن ديمومة الحركة في إعادة إنتاج الطوائف كيانات سياسية، هي بالدولة وحدها، مؤسسات، لكن منطق الفكر الطائفي يقلب الأشياء نقائضها، فتظهر الدولة الطائفية، كأنها نتيجة تعدد الطوائف،بينما بها _ أعني الدولة _ تتعدد الطوائف، وبها يعاد إنتاجها، من حيث هي كيانات سياسية» وأيضاً: «لا توافق ولا توفيق بين الوجود المؤسسي للطوائف، ووجود الدولة المركزية الواحدة. فالشرط الأساسي لوجود الدولة كدولة مركزية هو ألا تكون طائفية، بانتفاء طابعها الطائفي هذا، ينتفي ذلك الوجود المؤسسي للطوائف الذي هو بالدولة وحدها، وجودها السياسي، وليس الديني».
وبين الطائفة والطائفة سقط مهدي عامل مثله مثل من سبقه من مفكرين سقطوا ضحية الحقد والبغض والجهل. رحل مهدي وقد ترك خلفه أحد عشر كتاباً، وديواناً شعرياً، وعدة دراسات في مجلة الطريق وغيرها. مهدي الذي أطلق عليه المفكر الفرنسي جورج لابيكا لقب «غرامشي عربي» جعله يكون غرامشي العرب المغيب، طوال سنين غيابه، فلا يزال حاضراً بمواقفه التحررية وتحليلاته الموضوعية، رغماً عن أنف الذين أرادوا إسكاته في ذلك الزمن الأسود.