«اليوم العالمي للشباب» شبابنا ما بين التعصب والاستلاب والتهميش
أقرت اليونسكو الحادي والعشرين من شهر آب/ أغسطس من كل عام «اليوم العالمي للشباب» ليكون حافزاً للشباب حول العالم في مكافحة الفقر، وبما أن شبابنا العربي الذي يشكل الجزء الأكبر من المجتمعات العربية هو جزء من الشباب حول العالم، فلا بد من أن يكون هذا اليوم، يوماً لتقييم دور شبابنا، بعيداً عن التنظير والمؤتمرات والندوات التي تعقد سنوياً وتصرف عليها ملايين الدولارات ولا تخرج سوى بتوصيات جامدة لا يقرأها سوى المدعوين، لنرى حقيقة إمكانيات شبابنا في مواجهة الفقر بالشكل الفعلي.
والحقيقة المؤسفة التي نراها اليوم في نظرة واقعية لواقع المجتمعات العربية والشباب جزء منها، أن الشاب العربي يجد نفسه يتوه في زحمة التقدم التكنولوجي، والتفوق الغربي، في ميادين السياسة والثقافة والفنون، ويصاب بحالة من الاستلاب الذي يصيبه بالسلبية وفقدان الثقة بذاته وبثقافته، وبأمته وبدولته الحديثة، لا سيما مع غياب المعرفة بتاريخ أمته في ميادين الحضارة التامة، وقدرته على أن يكون أكثر مرونة في التعاطي مع واقعه لرسم صورة على الأقل شخصية لمستقبله، وبالتالي عجزه عن الخروج من دوامه الجهل المعرفي والتخلف الاجتماعي، واللذين بالضرورة يؤديان إلى الفقر الاقتصادي في كافة الميادين.
ويبدو هذا جلياً وواضحاً، لدى الشباب العربي الذين يتوزعون ما بين قطبي الاستلاب والتعصب الأعمى، ما يستلزم جهداً عربياً حثيثاً وواقعياً ومتواصلاً لوضع آليات مؤسساتية خاصة لاحتواء طاقات الشباب التي تذهب هدراً، لكن كيف يمكن لهذا أن يتحقق في ظل كل ما تعانيه مجتمعاتنا العربية من حالة من الفوضى الفكرية والسياسية والاجتماعية، وتعرض أجزاء كبيرة منها للاحتلال والنهب والسلب على مرآى من العالم الصامت على جرائم غربه ضدنا.
إن الحل يمكن بتصوري بالسعي نحو المجتمع المدني، أو ما يمكن أن نسميه مجتمع المؤسسات، بحيث تكون الدولة عبارة عن مجموعة من المؤسسات الفاعلة بشكل حقيقي، تتكون في العادة هذه المؤسسات من: الأندية الرياضية، النقابات العمالية، الأحزاب التقدمية وليس الأحزاب الشوفينية أو الثيوقراطية، وغيرها من مؤسسات، بقيامها تذوب قوى الدولة وتصبح أكبر هذه المؤسسات والتي يتحول دورها من أمني مخابراتي قمعي، إلى مؤسسة خدماتية تقوم على تبادل المصالح مع الفرد والمؤسسات الأخرى، وتنشط في ظلها المؤسسات التي تحقق أهدافاً تثقيفية وترفيهية، كما تؤدي وظيفة تربوية وأخلاقية، تحصن المواطن العربي، والناشئة منه على وجه الخصوص، ضد أشكال الوعي الزائف والأفكار الديماغوجية، التي تسحبه إلى مستنقع التعصب الأعمى المدمر، أو تلقي به على هاوية الاستلاب الحضاري والثقافي.
وبهذه القفزة نحو المجتمع المدني يمكن لهذا الشباب المهمش أن يستعيد دوره الفاعل والحقيقي في مواجهة قوى الإمبريالية العالمية التي تقف خلف أهم أسباب الفقر في العالم، بأدواتها الاستعمارية والمخربين الاقتصاديين الذين تزج بهم نحو الشرق سنوياً لضرب اقتصاد دول ومؤسسات كبرى، وبذلك يستطيع الشباب بالإضافة لوعيه لدور الأجهزة والمؤسسات غير الوطنية التي تدخل لدواعي نشر ثقافة الديمقراطية الزائفة في مجتمعاتنا الشرقية، أن يشارك الشباب كعنصر فاعل في هذه المؤسسات في التصدي لظواهر التخلف والفقر الاجتماعي والاقتصادي، ولا ننسى أهمية تفعيل دور المرأة الشابة في مجتمعاتنا وكسر غطاء العادات التقاليد التي تزج بالمرأة نحو أفق التخلف والتهميش، وهذا ما تثبه الدراسات والأبحاث أن الدول التي تهمش دور المرأة فيها، تعتبر من أقل دول العالم نمواً، بالتالي لا يمكن لنا أن ننكر دور المرأة في التنمية وبالتالي مواجهة الفقر، لأن التنمية المؤسساتية هي السبيل الوحيد للانتصار على التخلف والفقر والجهل.