منار ديب منار ديب

الدراما السورية.. والأوهام الكبيرة

تحولت الدراما السورية إلى رمز وطني يجعل من انتقادها نوعاً من كراهية الذات والخيانة، ورغم الكفاءة التي ظهرت عليها في بعض أعمالها التي حولت فناً شعبياً ثانوياً إلى أعمال ذات جمالية متطورة ومحمولات جدية، إلا أنها تنطعت لمهام ليست قادرة عليها، وحملت إدعاءات هي في طبيعتها عاجزة عن تحقيقها، وواقع الدراما السورية اليوم بين صعوبات الإنتاج والتسويق، وبين تدني المستوى في العديد من الأعمال الأخيرة،  يؤكد أن الصورة المفترضة لهذه الدراما غير موجودة إلا في أذهان بعض الحالمين.

الدراما التلفزيونية، أو الأوبرا الصابونية، فن شعبي وجد لتسلية ربات المنازل، وهو محكوم بعوامل إنتاجية، وبطبيعة وسط العرض، وبشكل معين من المشاهدة لا يتطلب التركيز، لا يستطيع العمل التلفزيوني الهروب من الثرثرة الكلامية أو الحدثية، وقانون الـ(ثلاثين) حلقة جعل مسلسلاتنا مملوءة بمشاهد الأكل والشرب والحوارات المجانية والأحداث المتفرعة دون جدوى. يتابع المشاهد المسلسل وهو بالبيجاما متمدداً على الصوفا يأكل أو يشرب، وفي أية حالة ثقافية سوية لا يحتل فن كهذا حيزاً كبيراً من الاهتمام.

الدراما التلفزيونية لا تستطيع أن تقدم الكثير لأنها محاصرة رقابياً، ولأن معظم العاملين فيها يتعاملون معها إما كخيار لابد منه لعدم توفر شيء آخر وإما كوسيلة للربح. معظم كتاب الدراما وهم طرف أساسي في المعادلة لا ينظرون إلى عملهم باحترام، وهم يتعاملون معه كاضطرار نظراً لعائداته المجزية، أما مخرجو الدراما فإن معظمهم من غير المثقفين، ومن يتوفرون على شيء من الثقافة يطمحون للعمل في السينما لكن مع تعذر ذلك فإنهم يعملون في التلفزيون، ومن هنا خرجت تلك اللغة الخاصة للدراما السورية والتي جرى بعد ذلك تقليدها دون أصالة.

الدراما لا تبقى، وتأتي أعمال جديدة باستمرار لتنسخ الأعمال القديمة، ولا إعادة العرض مع كثرة الفضائيات ولا طرح المسلسلات على أشرطة DVD   تحل المشكلة، فتلقي الدراما التلفزيونية هو تلق كسول ومحكوم بالصدفة، ووفرة الإنتاج تجعل المشاهد ضائعاً في غابة من الأعمال المتشابهة المشغولة على عجل، لا يتوقع المشاهد الكثير من العمل التلفزيوني، وهو يتوقع التسلية بالدرجة الأولى.

حين يكون للفن التلفزيوني هذه المكانة الاجتماعية والثقافية الكبيرة فإن ذلك يدل على أكثر من خلل، فالممثل الذي يحظى بالتقدير من الناس، هو ليس النجم بمفهومه التقليدي فحسب، بل هوشخص ينتظر منه أن يفهم كل شيء وأن يتورط في القضايا العامة، وكأن ظهوره على الشاشة يعطيه صفات تفوق شخصه الإنساني البسيط. وهذا التقدير الذي يعلم الكثير من الممثلين أنهم لا يستحقونه لا يحظى به المبدعون في مجالات أخرى، بل من النادر أن يكون أحدهم معروفاً خارج أوساط معينة. ومن ناحية أخرى لا تستطيع الدراما التلفزيونية أن تقدم الكثير وأن تفعل الكثير على الصعيد الثقافي، لأن ألف سبب يمنعها من أن تكون جدية وجذرية، فهي سلعة تفصل طروحاتها على مقاس المشتري المفترض، وهي بطبيعتها أقل من أن تترك أثراً، لأنها فن من النخب الثاني، فأداء الممثل في التلفزيون ومع مدة الإنتاج المحدودة، هو غالباً أداء مليء بالثغرات ونمطي.

قد تصلح الدراما التلفزيونية لتكون سجلاً لطرق تفكير صانعيها، أبرزها ذلك النمط المتعلم نصف المثقف، شبه المحترف، المهادن، الذي يتحرك في منطقة لا تمس قضايا حقيقية، المعني بالصرعات والفضائح وبإقحام أحداث كبرى بشكل مفتعل. الدراما غير معنية بأن تصدم المشاهد، وهي إما تثبت وعياً سائداً، أو تقدم واقعاً مزيفاً. في مشاهد الدراما قد نعثر على علامات يمكن تفكيكها تعكس لا وعياً متخلفاً يتسرب دون إدراك من صناعها.

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 13:01