مطبّات مفاجأة (توم) المسكين
منذ مدة قصيرة صرح نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية بأن العصا ستكون غليظة على كل من تسوّل له نفسه التلاعب بأسعار السلع في السوق، كما صرح وزير الاقتصاد في الفترة نفسها بأنه سيضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بالأسعار، وحتى لو أدى الأمر لإغلاق جميع الأسواق.
في الحقيقة ذكرتني تلك التصريحات الحكومية بزميل كان يدرس معي في الصف التاسع، إذ كان قصير القامة، وضعيف البنية، وكان إضافة إلى تكوينه البيولوجي الهزيل، يصغرنا سناً بعام، فأمه كانت مدرّسة، وقد وضعته مستمعاً في الصف الأول في عمر الخمس سنوات، ثم نقلته إلى الصف الثاني سابقاً من هم بعمره عاماً دراسياً كاملاً، ولكنه بداية، لم يكن يشعر بصغر جسمه وفرق سنه عن رفاقه كونه كان محمياً من أمه التي كانت معلمة في المدرسة نفسها،أي أن زميلنا كان ابن الآنسة، أما في المرحلة الإعدادية، وبعد خسارته هذه السمة، فقد بدأ هذا الزميل يعوّض عن عقدة جسمه النحيل وعدم قدرته على عراك أي منا، بسرده لنا، بمناسبة، وبغير مناسبة ملاحم عن بطولاته وقوته في قتال صبية أكبر منا سناً، وكيف يستطيع بضربة واحدة، رمي اثنين منهم أرضاً، ثم يلحق بهم الثالث برفسة من قدمه الهائلة القوة.
قصص كثيرة كان يرويها كنوع من التعويض عن الشعور بالضعف، ولكننا كنا نخمن أنه كان يشاهد أفلام الكرتون في بيته، ثم يتقمص شخصية أحد أبطالها، كنا نتسلى بقصصه، ونلقبه فيما بيننا بـ(غرندايزر)، وكان (غرندايزر) هذا، يحاول بين الحين والآخر أن يثبت لنا قوته، بأن يعتدي على طالب في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي ويضربه ضرباً مبرحاً حتى يأتي أحدنا ويخلصه من بين يديه.
تذكرت زميلنا (غرنديزر) لأنه أشبه ما يكون بهذه الحكومة العاجزة، التي ليس لها (آنسة) ترعاها، ومع ذلك تحاول لعب دور الحكيم والقوي، فتطلق في وجهنا التصريحات التي توحي بأنها قوية، وجميعنا نعلم أن لا حول لها ولا قوة.
وأنا أخمن أن الحكومة قد أطلقت شعاري العصا الغليظة، والقبضة الحديدية معتمدة على ذاكرتها في استحضار أبطال الكرتون، كما كان يفعل زميلنا، وأعتقد أنها تقمصت شخصيتي جونكر (الرجل الحديدي)، وجامبو الجبار صديق ساسوكي، فتصورت أن بإمكانها أن تستبدل مراقبي التموين بكائنات تشبه جامبو الجبار (صديق ساسوكي) ذي العصا الغليظة ذات النتوءات المدببة، و(جونكر الرجل الحديدي)، وتطلق يد كل منهما في الأسواق!! ولنا أن نتصور كيف سيهوي جامبو الجبار بعصاه الغليظة على صاحب بقالية، لأنه لا يبيع كيلو السكر بـ25ل.س (حسب التسعيرة) مع أنه اشتراه من تاجر الجملة بـ28ل.س، وكيف سيضرب جونكر بيده الحديدية بائع لبن مسكين اشترى كيلو اللبن بـ20ل.س ومطلوب منه أن يبيعه وفق تسعيرة التموين بـ 15 ل.س!!
في الحقيقة هناك فارق بسيط بين بطولات الحكومة وبطولات زميلي غرنديزر، فزميلي كان يتقمص شخصيات كرتونية يتغلب من خلالها على أشخاص أشد بأساً منه، لكن الحكومة تتقمص هذه الشخصيات للاستقواء على باعة المفرق الذين تراهم الحلقة الأضعف وتستطيع أن تفعل بهم ما تشاء، كما كان يفعل زميلنا غرنديزر بطلاب الصف الثالث الابتدائي.
ولكن تخيلوا معي لو أن هذه الحكومة فكرت بأن تحاسب عن طريق عصاها الغليظة، ناهبي قوت الشعب الحقيقيين، ألا تعتقدون معي أن المشهد سينقلب من مسلسل ساسوكي وصديقه جامبو، إلى مسلسل توم وجيري، وتحديداً حين يحمل (توم) عصاً غليظة وينهال بها ضرباً على ما اصطادت صنارته، والتي أعتقد أنها سمكة كبيرة، فيتفاجأ بكلب شرس لا تؤثر به ضربات عصاه الغليظة، بل تزيده غيظاً وتحفزاً لالتهامه..
هذه مجرد فرضية، فلا ترتعبوا كثيراً.. إن حكومتنا أعقل من أن تهوي بعصاها الغليظة على رؤوس هؤلاء الـ...؟!