فواز العاسمي فواز العاسمي

«طاش ما طاش» المسلسل الذي تناولته كبريات الصحف العالمية والمحطات الفضائية.. وفي سنته الخامسة عشرة استقلّ أكثر

* طاش ما طاش جرعة كوميديا خفيفة، بطولة عبد الله السدحان، وناصر القصبي ومجموعة من الفنانين السعوديين والعرب، إخراج عبد الخالق الغانم

لم أزل أذكر تلك اللعبة في ثمانينيات القرن الماضي بشيء من الحبور الغامر، كنا نقف حول بركة من الماء الآسن والذي تجمّع بفعل المطر، نرمي حجارتنا على سطح الماء ـ ونرقب ـ من منا رميته الأقوى، ومَن مِن حجارتنا يستطيع العوم لأطول مسافة، ولكننا لم نكترث يوما بمن كانت رميته الأكثر تحريكا للقاع الراكد .
طاش ما طاش مسلسل كوميدي تعرضه قناة ـ إم بي سي ـ يلخص تلك الفلسفة البريئة القائمة على توقيد الذهن بحقنة من الفكاهة مع تمرير مقولة ربما يستفاد منها على صعيد الحياة العملية للناس، و إذا ردد البعض: أن الكوميديا ليست في هذا الوارد من تخليق للوعي، إذن، فالأجدر بالكوميديا البحث عن خط للعمل ينتهجه مؤلفوها بشيء من الحياد، و إن ردد البعض الآخر: أن الفن لا يمكن له الوقوف على الحياد، إذن، فلننتبه لنوع الحجارة التي يلقيها المسلسل وكم من ذرة ماء آسن تململت في مواضعها..خمسة عشر عاما صار عمر المسلسل وقد تناول بشيء من التفصيل حياة واحد من المجتمعات العربية المحافظة، وهو المجتمع السعودي بقضه وقضيضه، مع التعريج على بعض المجتمعات العربية بدواعٍ عدة مررها المؤلفون رغبة منهم بالمقارنة.

في هذا العام ارتفع سقف الكوميديا وموضوعاتها، وقطع المسلسل وأبطاله أشواطا بسبب من إنتاج المسلسل عبر المحطة التي تبثه وابتعاده عن مركزية الإنتاج في التلفزيون السعودي، اثنتان من الحلقات في هذا العام خلقتا حالة من توازن الرعب بين تيارين يصطرعان داخل المجتمع السعودي، وهما يمثلان حالة الصراع القائمة في شتى البلدان العربية ولكن بشيء من الفوارق التي تميز مجتمعاً عن آخر،وهما تيار العلمانية ـ يسمونها هناك الليبرالية ـ بكل أطيافه وتيار التشدد، ـ يسمونه هناك الصحوـ ..عرجت الحلقة الأولى على مُنتِج تلفزيوني وصاحب فضائية يصيبه الفشل كلما جرب اتجاها إعلاميا تتبناه الفضائية التي يملكها فمرة يجرب حظه مع أغاني الفيديو كليب ( ولابد من الاستعانة ببعض المذيعات العربيات )، ومرة مع السحر والشعوذة ،ومرة ومرة لكن الفشل، أي الخسارة المادية، كان من نصيبه، فاستعان بمعد برامج خبير ( من بلاد الشام ) فيقترح هذا على صاحب المحطة أن يمتطي الموجة الرائجة هذه الأيام، أي البرامج الدينية، وفي هذه المرة فقط يصيبه النجاح المادي.... والمعنى هنا أوضح من أن يُفَسر..في الحلقة الثانية، وهي عندي موضع شبهة فنية، يجتمع فيها بعض اليساريين من تيارات مختلفة للمناقشة في قضايا، مختلفة أيضا، فنراهم على هيئات غريبة يتكلمون كالسكارى وهم سكارى ؟؟ والحلقتان لنفس الكاتب ويقوم ببطولتهما نفس الأبطال تقريبا، أما موضع الشبهة في هذه الحلقة،هي التقية الفنية التي يمارسها الفن هذه الأيام، فمن خوف من تكفير وتحريم هنا، ومقاطعة وعزل هناك، ارتأى الكاتب التقية، مستفيداً من تاريخ طويل معقد ومضني في صراع الفن والأدب والفلسفة مع المؤسسات القمعية، أو مع أفراد ينوبون عنها، ارتأوا كذلك أن يمارسوا صلاحيات، فوق طبيعية، للضغط باتجاه حالات الارتقاء البشري نحو الانعتاق، فبهجومه على اليسار بهذا الشكل، أنقذ نفسه من المساءلة عن حلقات سابقة تناولت المؤسسة القضائية في المملكة، أو تناولت المؤسسة الدينية ببعض أطيافها، فذرّ قليلاً من رماد في عيون الرقابة.