طارق عبدالواحد طارق عبدالواحد

الكركترات في الدراما السورية..

لعل أهم ما تميزت به الدراما السورية منذ بداياتها، هوصناعة الكركترات الفنية التي اتسمت بصفات معينة من النواحي الشكلية والنفسية والوجدانية.. حيث اختص كل فنان بشخصية تقمصّها، واشتغل على بناء عوالمها الداخلية، وتأثيث شكلها الخارجي،وهكذا انتشرت في أوساط الدراما شخصيات فنية، مثل: غوار الطوشة، حسني البورظان، أبو عنتر، ياسينو، أم كامل، فطوم حيص بيص، ابو كلبشة.. ألخ.

إن تعدد الشخصيات الدرامية، وانحياز الفنان السوري إلى تشكيلها في تلك الفترة، لهو أمر ملفت، لم تشهده صناعة الدراما في البلدان العربية الأخرى، ولاسيما الدراما المصرية.. التي أسست – منذ فترة مبكرة- لأنماط فنية ودرامية معينة.

لم يقتصر وجود الكركترات (الشخصيات)، وعملها على الدراما التلفزيونية، بل انتقل أيضاً إلى السينما.. بهدف استثمار جمهور تلك الشخصيات، ويمكن اعتبار شخصيتي غوار الطوشة وحسني البورظان أفضل مثال على ذلك. والأمر اللافت في هذا السياق أن الدراما (والسينما) المصرية لم تتأثر بخيارات الدراما السورية، ولم ينهج الفنان المصري نهج الفنان السوري في هذا المجال، رغم اللقاءات الكثيرة بينهما في ذلك الوقت، إذ كثيراً ما استقدمت سينما القطاع الخاص في سورية، نجوماً مصريين..لإنجاز أعمال مشتركة، لكن ظاهرة "الكركترات" لم تتسلل إلى الاستديوهات المصرية!!..

من نافل القول إن هذه الكركترات استطاعت أن تستقطب جمهوراً عريضاً، وتمكنت من بناء علاقات خاصة مع المشاهدين بحضورها المحبب والأليف، فاستقرت في وجدان الشعب بملامحها وفضاءاتها، بطبيعة أدائها وحركتها في المحيط، وخصائص إنتاجها للفعل الدرامي. فـ"غوار الطوشة"، الشاب النحيل الذي يتفوق بفضل ذكائه وشيطناته ومقالبه، على خصمه "حسني البورظان" البدين الطيب. وأبو عنتر.. القبضاي ذو العضلات المفتولة الذي لا يقبل الظلم والذي يهب دائماً لمساعدة صديقه غوار. وياسينو.. عامل المقهى البسيط والساذج. وأبو فهمي.. الفضولي والغليظ الثرثار. و فطوم حيص بيص.. حبيبة غوار التي آثرت عليه حسني. وأبو صياح، وأبو كاسم، وأبو شاكر..وغيرهم.

إن التزام الفنانين بهذه الشخصيات، ودأبهم على تقديمها، أوقع الفعل الفني في التنميط، وسبب الكثير من المشاكل لأكثر الممثلين.. إذ أن عدداً قليلاً منهم استطاع تجاوز هذه المحنة. ففي وقت لاحق كانت الدراما التلفزيونية على موعد مع التغيرات العاصفة التي ستترك آثارها على العملية الدرامية برمتها. وهكذا.. فإن دريد لحام سيواجه مشكلات صعبة مع الجمهور حين سيؤدي شخصية "أبو الهنا"، وسوف يبذل ناجي جبر جهوداً إضافية ليعمل تحت إدارة المخرج عبد اللطيف عبدالحميد في فيلمه "صعود المطر"، وكذلك الأمر بالنسبة للفنان رفيق سبيعي الذي حقق نجاحاً ملحوظاً في تجاوز شخصية "أبو صياح" من دون أن يتخلى عنها نهائياً..

 الظريف في الأمر..أن معظم الفنانين معرفون –على المستوى الجماهيري- بأسماء الشخصيات التي كانوا يؤدونها، الشخصيات التي أحبها الناس واختزنوها في ذاكرتهم وفي وجدانهم. وفي الوقت نفسه كان الفنانون يناضلون في منطقة أخرى.. للخروج من إسار تلك الشخصيات، والسبب الذي يكمن وراء ذلك –ببساطة- أن متعة الفنان تأتي من تقمص الشخصية، ومزاولة تأثيثها وحياكتها. والأمر الأكثر بداهة.. أنه كلما استطاع الفنان الانتقال من شخصية إلى أخرى، مختلفة في الصفات والطباع، ازدادت مساحة اللعب الفني، وتبدت قدرته على الخلق الإبداعي، وظيفة الفنان الأولى والأثيرة!..

مهما يكن من أمر.. فإن تلك الكركترات تشكل جزءاً هاماً، وأساسياً، وريادياً، في التراث الدرامي السوري، وتحتل مكاناً خاصاً (ولائقاً) في ذاكرة متابعي الدراما. كما أنها تمثل، من الناحية النقدية والبحثية، ظاهرة مائزة لايجوز إهمالها أو التغاضي عنها، ففي ثنايا تلك الظاهرة.. لحق الظلم بكثير من الممثلين الموهوبين الذين لم تسعفهم الظروف، ولم تُمنح لهم الفرص، لتجاوز مأزق النمطية الذي أحاق بهم..

كثيرون من هؤلاء الفنانين ساهموا في بناء ونجاح الدراما السورية، لكن القليلين منهم.. حصدوا النتائج!!..