حياة بحجم «كمشة من رمال»
يقدم الشاعر والمترجم محمد عضيمة الى اللغة العربية الشاعر الياباني توكو بوكو، في ترجمة هي الأولى، لهذا الشاعر الفوضوي والملعون، في مختارات من مختلف أعماله حملت اسم «كمشة من رمال »(صدرت عن دار التكوين_ دمشق).
اسمه الحقيقي هاجميه إشيكاوا، وقد اتخذ هذا الاسم ( توكو بوكو ) تيمناً بالطائر المعروف بـ« نقار الخشب»، فقد كانت حياته مليئة بالمآسي والأحزان، فبعدما كانت القرية تكن لأهله الاحترام، أصبح منبوذاً هو وأهله، من خلال الشك بأمانة والده الذي كان مسؤولاً عن أحد المعابد البوذية، فتبدأ معاناة توكو عبر مسؤوليته عن أهله بعد رحيل والده، مما يقوده للتدين، وتتوالى بعد ذلك الأمراض والنكسات الصحية التي يتعرض لها، ويتلو ذلك عدم استقرار وانتقال من مكان إلى آخر، ويبدو أنه قد كتب له أن لا يجد الاستقرار إلا في الموت حيث توفي عن عمر 27 عاماً متأثراً بمرض السل.
تتألف «كمشة من رمال» من أربعة أقسام، نستطيع من خلالها أن نتلمس مدى اضطراب حياته، وتأرجحها بين التعاسة والفرح، فتراه يجمع بين النقائض في ديوانه، ولا يدل ذلك إلا على ما مرّ به الشاعر من شقاء في حياته القصيرة، كذلك تظهر نبرة تحتوي على التمرد والفتوة، في الوقت نفسه نلاحظ بساطة اللغة، وعدم تعقيده، مما يكسب النص جمالية فنية، ويضاف لتوكو أيضاً ميوله نحو الأفكار الاشتراكية والثورية
أما عن أسلوبه فقد سجل تمرداً على الشعرية التقليدية اليابانية وأشكالها القديمة كالتانكا والهايكو، فبوكو لم يلتزم بشروطها، ولا حتى بموضوعاتها.
أشخاص كثيرون يمرون في الحياة مروراً خاطفاً لكنهم يتركون خلفهم إرثاً يتداوله الناس عبر الأزمان، وتوكو واحد من هؤلاء الناس فبعد أن عاش حياته ملعوناً ومنبوذاً، أصبح في مصاف الآلهة عند الأجيال اللاحقة.