باب الحارة... كمان وكمان توظيف التفاصيل الدرامية البسيطة في سياق متصاعد
أثار مسلسل « باب الحارة » الذي عُرض على أكثر من محطة تلفزيونية جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام التي وجدت في شعبية المسلسل وملايين الناس التي تتابعه مادة دسمة تغذي بها موسمنا الرمضاني المتخم درامياً حتى الثمالة.
ومثار الجدل هو النجاح الهائل للمسلسل الذي جعل العرب تنقسم أعراباً، فالبعض يرى فيه استمرارية لصعود الدراما السورية أمام منافستها المصرية، والبعض الآخر يرى فيه عودة إلى الماضي الجميل وقيمه الأخلاقية التي داستها عجلات الزمن الحديث، وآخرون يرون فيه روح المقاومة الضرورية لمواجهة مشروعات الاستعمار الجديدة، والبعض الذي لم يعجبه المسلسل ربط هذا النجاح بأزمتنا الثقافية والاجتماعية، واعتبره صورة ومثالاً على انحطاط الذوق الفني العام.
لسنا هنا بصدد إصدار حكم فني درامي بحق المسلسل بقدر ما نود التساؤل ببراءة، وبكمية أقل من الخبث، عن جوانب سلبية وإيجابية في هذا العمل.
أصحاب النظرة الفنية يعزون نجاحه إلى طاقم العمل المحترف من مخرج وممثلين وفريق تصوير وديكور وغيرها، ويقول مناوئوهم أن هفوات فنية كثيرة تشوب العمل، فوجه العاشق إبراهيم المضرب عن الطعام لأيام عديدة لم تظهر عليه أي علامة من علامات التعب والإجهاد.
وخبراء الأرصاد الجوية مستغربون من عدم اكتمال الدورة الفصلية السنوية في المسلسل، فلا غيوم ولا أمطار ولا رياح أو فيضان يضرب هذه الجنة الأرضية، مع العلم أن فيضان نهر بردى بفروعه السبعة كان يشكل حدثاً هاماً في حياة دمشق وأهاليها.
أما محبو الكابتن ماجد فيشعرون بالغيظ لأن كرة صطيف دارت في فضاء المسلسل أكثر من كرة كابتنهم الماجد بمرات كثيرة، واختفت حتى سددها العكيد أبو شهاب في آخر رمضان.
وعلماء الأنساب وموظفو السجل المدني لم يعثروا إلى الآن على اسم عائلة أبو عصام وأبو شهاب وأبو حاتم وأبو النار وغيرهم، فشرط حضور الشخصية في ساحة الحدث الدرامي أن تكون بلا اسم أو عائلة وإنما فقط أبو فلان وأم فلانة.
مع ذلك كله نجح المسلسل بجزأيه الأول والثاني في توظيف التفاصيل الدرامية البسيطة في سياق درامي متصاعد لدفع أبطال الحكاية نحو مصائرهم الحياتية والتي تشكل بمجملها العمود الفقري للعمل.
فشخصية الإدعشري المبتكرة، والمؤداة بشكل رائع من بسام كوسا في الجزء الأول، شكلت مصباً درامياً مفتوحاً على شخصيات العمل ومصائرهم الإنسانية بحيث تمتصها حيناً وتدفعها حيناً آخر نحو ذرا درامية متنوعة أكسبت العمل جمالياته التي كسرت الإيقاع الفولكلوري للعمل.
وفي الجزء الثاني استطاع الكاتب والمخرج تحقيق ضربة معلم بنقل محور الأحداث إلى شخصية أبو عصام وعائلته التي تحولت من خط درامي متصاعد بهدوء ورتابة إلى خط آخر مختلف تماماً جعلها (شخصية أبو عصام) تقترب من عناصر الأسطورة والمآسي التاريخية.
حيث بدت كل تفاصيل العمل وتداعياته حتى الفولكلورية منها تعمل لدفع هذه الشخصية نحو صراعها المحتوم مع القهر والعذاب وإرهاصات الانهيار الإنساني.
فمشهد دخول بابور الكاز المكتوم إلى بيت أبو عصام أذّن لبدء المواجهة الصامتة بين أبو عصام ومصيره المربوط بمصائر الحارة كلها، وتكتمل عناصر المأساة بخروجه عن بيته ومبيته في محله وكأنه جنين خرج من رحمه ليواجه دنيا جديدة مليئة بالتحولات والمفاجآت التي صبت حمولتها دفعة واحدة عليه وجعلته يبحث في ذاته وذوات الآخرين عن معنى ما يجري له وللحارة، فغدا مسار شخصيته يمشي على حافة الهاوية والانهيار الإنساني دون أن يزيح عنه حتى تصل الأمور إلى ذراها الدرامية في وقتها المناسب.
وبذلك تكتمل عناصر هذا المصير المدهش لشخصية أبو عصام مع نهاية العمل الذي بدأ مخرجه بإعداد الجزء الثالث منه، وإذا أراد أن يكتب له النجاح كسابقيه فيجب أن يفتح باب الحارة أكثر فأكثر على شخصيات جديدة ومصائر مختلفة.