أبو تريكة.. صرخة الانتصار
يبدو أن ملاعب الرياضة تختزل ما يجري في ملاعب السياسة، فحيث فرّق الاحتلال والطائفية شعب العراق وقسمه، علت صرخات وهتافات الانتصار لفوز المنتخب العراقي منذ أشهر بكأس الأمم الآسيوية، فوحد الانتصار العراقيين حين قسمتهم السياسة، ففرحة الفوز والانتصار جمعت أطياف الشعب العراقي مؤكدة أكذوبة التقسيم، وتلاشت ظلال الانقسام والتمزق وغدت واهية باهتة أمام ظل السياسة الثقيل اللزج الممزوج بوطأة الاحتراب والدم والمصالح
وهاهنا اليوم، أمام فوز جديد لمنتخب عربي، فوز مصر بكأس الأمم الأفريقية، فحين انتهت المباراة علت هتافات الفرح في الشارع المصري والشارع العربي، الفرح الذي خبا زمناً أمام وطأة انكسارات ملاعب السياسة المتتالية، فمصر التي يتماهى نظامها مع العدو الصهيوني، ويجرب هو الآخر لعبة الحصار على شعب غزة الذي فرض عليها منذ أشهر، إلا أن وطأة الظلم دفعت أهل غزة للتمرد، ففتحوا المعبر رغماً عن أنف الجميع، الأمر الواقع الذي فرضه الغزاويون على الجميع دفع برئيس جمهورية مصر الإعلان جهاراً: «لن نترك أهل غزة يموتون جوعاً»، فصفق له المجتمعون في المجلس، وسعدنا نحن المتلقين بهذا الخطاب القومي، إلا أن لعبة السياسة تتغير وتتبدل مرتهنة للنخب السياسية العليا، فعاد وزير خارجيتها ليعلن على الملأ: «سنكسر قدم كل من يطأ الحدود»..
لقد عبر أهل غزة بوابتهم الوحيدة المطلة على العالم، وحينها هلل المصريون لانفراج أخوانهم في غزة واطمأنوا قليلاً للخطاب القومي الذي أعلنه رئيسهم إلا أن هذا الاطمئنان، عاد ليضعف أمام عجلة وماكينة الإعلام المرتهن.. عادت أقلام بعض الصحفيين الذين لم يرقهم زعل الصهاينة من حكومتهم المسربلة باتفاقيات كامب ديفيد، فبدؤوا يكيلون الصفات ويختلقون الأكاذيب عن أهالي غزة المتدافعين عبر الحدود، ككذبة السرقات وغيرها من الأمور التي لا تليق بمنطق الأخوة، صدرت بعض الأقاويل المغرضة بحق أهل غزة، بررها بعض السياسيين أن هذا الإجراء ليس إلا احترازاً من دخول بعض المشبوهين أو الإسرائيليين إلى أراضي مصر العصية على الصهاينة منذ زمن الاتفاقيات. تعالت الأصوات المتضاربة في مصر بين متعاطف وعدائي، هذا التضارب الذي أدخلنا مرة أخرى بمتاهات ملاعب السياسة، ولكن ملاعب الرياضة رفضت منطق الحصار والتجويع وسياسات البعض وأثبتت مرة أخرى مصداقية انتمائها العربي والإنساني، تعالت الرياضة على متاهات ودهاليز السياسة، فرفع أبو تريكة قميصه الرياضي ليقرأ العالم صرخة الاحتجاج «تعاطفوا مع أهل غزة»، هذا التعاطف الذي لم يحبذه أهل الفيفا العالمية، فأوصوا بطرد اللاعب من ملاعب الرياضة كلياً في حال تكرر هذا السلوك، السلوك نفسه الذي لم تدنه الفيفا حين رفع أحد اللاعبين الأفريقيين في كأس العالم علم إسرائيل على مرأى العالم، ولم يستفزهم آنذاك هذا السلوك، مما يدفعنا مرة أخرى للقول إن الرياضة، وإن بدت بعيدة عن ملاعب السياسة، إلا أنها عادت لترخي بظلالها على ملاعب الرياضة. فازت مصر ولم يرفع أبو تريكة قميصه أمام جمهور الملاعب حذراً، ولكن إصراره على الفوز بكأس الأمم الأفريقية ليس إلا صرخة حية بوجه العالم.. هي صرخة الانتصار.