صُنع في غزة: الأمل!
عندما يقرر الوجدان الجماعي أن يعمل لحساب الحياة وغبطتها، يقف حتى الهواء مذهولاً مستفهماً.. كيف أطلقت غزة عصافير فرحنا إلى السماء، وتوجت صبرها وعصرته بالإنشاد؟
ما حدث قد حدث، ولكن الذي حدث لم يكن عابراً أو مثل أي حدث. غزلت غزة شعارها ورسمته بيد رجالها ونسائها.. وخرجت من خوفها وترددها وما رضخت للحصر والحصار، بل فتشت عن نسيج حلمها وقادته إلى الجدار، لتكتب عليه عناوين أناس لها أسقطوا بشموخهم أي دعوة للنجدة أو للرجاء.
هي غزة وحدها، والتي باتت تقلق من خطَّ ويخطط لخلق عدوٍ هو ليس بإسرائيل في مرحلةٍ أخرى من مخاض ولادة شرق أوسطي جديد.
هي غزة التي أطرت مناخها أصالة التحدي لتتجاوز الخواء إلى الامتلاء. وعبرت.. عبرت زيف الحدود وأعادت القومية لمصريين انتظروا طويلاً ساعة كهذه وقرار كهذا.. إنه القرار بالتقدم.. فقط وحده القرار يحسم شرخ الروح ما بين العلو أو الانهيار، فاختارته غزة، وتوسمت فيه الخير لصغارها وللكبار.
وحدها غزة أطلقت خيالاتها، وقفزت عن جحيم الانتظار، فهبت تختار، فانتصر لها هذا الخيار.
فهل سيخجل المترفون من ترفهم العنيف؟ أو هل سيفكر بالسكوت مطلقو المفاوضات العبثية والحوار السقيم؟ يبدو أنهم لن يفعلوها، طالما تجتاح أعصابهم أنفاس الخوف والجبن العنيد.. وحده من سقى من دمع عينيه زيتونة يستطيع الصمود، ويستطيع أن يدخل إلى روحه نسمة ورعشة أخرى لا يمكن أن يفهمها ذلك المتمسك بأوهام العبيد، والمتحسر ادعاءً على انتفاضة الحجر في ذلك الزمن القريب، فهل بمقدوره الآن أن يبرد حسرته، فيرمي بالحجر أو أن يقتحم بجسده جدران العزل والموت البطيء؟ إنه بالتأكيد ذلك الأسلوب الحبيب الذي بات يفضله ليثبت مقدرته على تسجيل أكبر عدد من نقاط الخسارة والفشل الذريع.. أسلوب يختاره كل من لا يعرف للهوى مطرحا، ولا يعرف أن للطيور عيونا تستطيع بها، ووحدها، مقاومة كل الحدود.