دمشق تعيد للشعر اعتباره
أن تكون دمشق عاصمةً للثقافة العربية يعني أن يكون للثقافة معنىً آخر، وطعم آخر، ويعني أن تعود الثقافة إلى مكانها الطبيعي منذ زمن قريب جداً ركض الدمشقيون هنا وهناك، وكأنهم يلعبون في الوقت الضائع للتحضير لهذه المناسبة البهية، فالمحافظة ركزت على الجانب الشكلي في الأرصفة والشوارع، وتغيير الأسماء الأعجمية، وأسطحة المنازل.
وما أثلج الصدر في كل هذه الاحتفالية هو أن فيروز ستعود لتصدح بالغناء من جديد بعد غياب طويل.
وستحضر أسماء كبيرة في عالم الإبداع من أربع بقاع الأرض.
ما لفت نظري حقاً في هذا التحضير هو أن دمشق أعادت إلى أذهاننا من جديد أن الشعر ديوان العرب.. والشعر كيمياء الروح.. ولا يمكن للإنسان أن يحيا بمعزل عن الشعر.. لا بل أن لهاث الإنسان حول لقمته في هذا العصر المجنون لابد له من الشعر ليستعيد توازنه الروحي والإنساني..
ففي لوحات كبيرة وخط جميل فاجأتنا الهيئة المسؤولة عن الاحتفالية بمحمود درويش يحتفل: «في دمشق تسير السماء في الطرقات القديمة حافية... حافية.. »، وهذا نزار قباني يشاركنا فرحتنا: «كلما حاولت كتابة سطر عن دمشق.. عرش الياسمين على أصابعي»، وكذلك يحضر سعيد عقل في عشقه العظيم للشآم وأهلها. ويحضر أحمد شوقي المغرم ببردى ودمشق:«سلام من صبا بردى أرق/ ودمع لا يكفكف يا دمشق».
ورغم أن بردى لم يعد له حضور، فبردى شوقي أصابه المرض، وودّع عشاقه وعشيقاته، ولم تفلح كل محاولات الإنعاش أن تعيد إليه رئتيه العليلتين. كذلك قرأنا بعض الكلام عن دمشق لم يكن مختاراً بعناية.
ما يحمل على بعض اللوحات أيضاً أن الفن والذوق انتفيا عنها، فبعضها بالكاد تقرأ، فالتمازج اللوني جاء سيئاً وباهتاً.
شكراً لدمشق التي أدفأت قلوبنا الصدئة وأشعرتنا أن للشعر معنى لا يزول رغم كل هذه السنين.
شكراً لدمشق التي أعادت الشعر إلى الساحات والشوارع والحانات بعد أن قرأ الكثير نعوته وفواته التاريخي!!.
ويا ليت لو وضع القائمون على الاحتفالية في كل زاوية من زوايا دمشق نصاً أدبياً لعشاق دمشق وما أكثرهم... عندها سنقول: أعدت إلينا يا دمشق قطعاً من أرواحنا الضائعة في زحمة هذه البلادة الكبيرة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.