لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك الراقوب

لا شك بأنها المهنة الأصعب على الإنسان وهي أن تكون مراقبة الناس فيموت هماً، لكن يمكنه أن يقنع نفسه أحياناً بأنه مراقب جيد وأنه لا يؤذي الآخرين، وأنه لطيف مع الذين يراقبهم، وأنه يفعل هذا لصالح المجتمع وغير ذلك من مبررات تجعله ينظر إلى مهنته العجيبة بعين الرضا، وهناك راقوب تصل به درجة الحقد على الناس إلى حدّ تبليهم بأقوال وأفعال لم يحدث أن قاموا بها، فيكذب كذبة ثم يضطر إلى الاستناد على كذبته هذه وجعلها مرجعية إجبارية كلما تعرض للشخص المذكور، فيضطر بالتالي إلى الكذب من جديد ومن جديد، حتى يشكل ملفاً كاملاً لشخص ما لا يمت إلى حياة هذا الشخص بصلة، وهذه من أعاجيبنا، فالكذب وصل إلى الراقوب حتى، لا أحد يعمل في مهنته بإخلاص حتى الراقوب.

والراقوب أنواع، وأخطرهم الراقوب المثقف الذي يسلطه أولو الألباب على الكتاب والفنانين وغيرهم من العواطلية عن العمل، فهو بالإضافة إلى كونه راقوباً فلا بد أن يكون من حملة القلم، فتختلط دوافعه في تقييم كتابات الكتَّاب، ويضع نفسه في موقع المساواة معهم ككاتب ويبدأ بحسدهم على طريقته، وطريقته هي فركشتهم وزحلقتهم بل وتشويههم، هذا إذا لم يتسن له منعهم، وما من راقوب إلا وعرف قدر نفسه بينه وبين نفسه، مما يزيد هذا كمية الحقد على كل من تسول له نفسه أن يكون طبيعياً غير منافق وغير انتهازي وغير عديم موهبة، فهو يتألم لأن هذا الكاتب لا يمتلك صفاته الفريدة، فتراه يشجع الأدعياء كي يتكاثر أمثاله ويملؤوا بالتالي الساحة فيصبح وجوده شرعياً ككاتب، لكن أخطر ما يمكن أن يتعرض له الراقوب هو أن يشاهد نفسه في كتابات الكتَّاب، ويشاهد صفاته في مدوناتهم مع أنها لا تحدده شخصياً، فهو يعرف نفسه جيداً ويعرف أن هذه الشوكة تنخزه شخصياً، واللي فيه شوكة بتنخزه كما يقول المثل، وسبحان الله الأقدمون لم يتركوا لنا ما نقوله، أو لم يقولوا أن من راقب الناس مات هماً؟!!
اتركه بهمه يا أخي وحاج تنكشه، أووووف شو بتكتر غلبة يا هالكاتب، الله يعين الراقوب شو بده يتحمل ليتحمل، ما بيكفيكم أنو متحمل حاله، نعم متحمل حاله، وأنتو بتعرفوا شو حاله ، يعني ما حدا بيتحمله، بقى مشان الله حلوا عنه، أما هو .. فما رح يحل عنكم، لأنو حابب يموت هماً، ألكم مع الزلمة شي، هو هيك حابب.
ولكن يمكننا فقط أن نطلب منه طالما أنه أمر واقع أن يترأف بحالنا قليلاً، وان لا يتبلانا على الرايحة والجاية، ولا داعي لأن ينقل صورة حسنة عنا، معاذ الله، فهو ملاك الشر وغراب البين، هذه وظيفته، وإلا قالوا له الله معك، لأن وجوده مرتبط بضرورة وجود الأشرار في المجتمع، فهل سمعتم أحداً يبلِّغ عن فعل خير؟!!
ومن جديد هناك مفاجأة عندنا نحن الذين نيئة عن الخليقة، نعم عندنا يبلِّغون حتى عن الأخيار.