ناجي العلي ضمن قائمة «ممنوعون»
في «الشجرة» إحدى قرى الجليل كان مولده في العام 1937 لأبوين بسيطين، أمضى ردحاً من طفولته في بلدته، حتى كان النزوح المرّ باتجاه الجنوب اللبناني وهو لم يبلغ الحادية عشرة بعد.. فكان الحنظل طعم فمه وكان «حنظلة» أيقونة جرح لن يبرأ..
قال الطاهر بن جلون يوماً:«على المثقف أن يشاغب دائما حتى يُبقي الذاكرة يقظةً» فهذا ما كان من فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي فعلى غرار أغلب مثقفي فلسطين في الشتات وفي الوطن مارس ناجي العلي مهنة «الشغب» لكنه شغب بالرسم، وأي رسم ..رسم الأفكار على الورق، وذلك بأن أسقط مقولات تحمل معاناة شعب و آلامه على مساحة لا تتعدى ما تتركه لطمة على خدٍ حييّ..لم يوف ِبرنامج «ممنوعون» الذي تبثه قناة الجزيرة الوثائقية حق ناجي العلي، إلا لجهة الإطلاع على سيرته..لأن فنه يبقى عصياً على التحليل، وإن رأينا هزاته الارتدادية تحرك الشارع الفلسطيني والعربي في نوع من الضحك الغاضب الممهور بصمت طافح على حجرٍ بيد مقاوم، وهذه مهمة الفن والأدب المشاغبين. كان ناجي العلي قومياً بامتياز وبانضمامه لحركة القوميين العرب تأصلت تلك النزعة المقاوِمة المنفتحة على العالم، لقد ناضل حتى آخر قطرة دم نزفت من جبينه الراعف، ناضل من أجل فلسطين،ومن أجل الترفع بالقومية العربية عن الشعوبية المقيتة والعصبية الهدامة، إبداعه؛ كان ضميراً لإيدلوجيا غير مُضمرة..كان واحداً من قلة أنجبتهم هذه الأمة، ممن استطاعوا نقد الذات العربية بشكل واعٍ وخلاق بعد النكسة، ولم يجلد تلك الذات المهزومة بحكم تعزيري ترسمه دائرة ما أو قاض شرعي يحدد عدد الجلدات تبعاً لعدد الدموع المذروفة..جبان كاتم الصوت الذي أرداك، وجبان من كسر ريشتك في شارع «أيفس» في لندن، لكنه فَطِنٌ يعرف كيف تُمسح ذاكرة الأمة التي أحببتها.. لم تكن فلسطين يوماً أرضا للطائفية فمن فؤاد نصار قائد أهم فصائل ثورة 1936 إلى جورج حبش وحنان عشرواي وتوفيق زيّاد وعزمي بشارة من مناضلي حركة التحرر الوطني الفلسطيني من المسيحيين، كان المقابل الموضوعي في الطرف الآخر منبت غسان كنفاني وخليل الوزير وياسر عرفات و ناجي العلي الذي درّس في جنوب لبنان وشماله في المدارس التي تنطوي تحت مسميات تحمل رموزا شتى من أهلّة وصلبان وغيرها.. وسخّر ريشته ليسخَر من صراع الأخوة في لبنان معتبرا أن تلك الحرب هي هزيمة لجزء من المشروع النهضوي الذي قادته بيروت والذي أصبح تذروه رياح الطائفية والمناطقية.. تكترث الأمم الحية كثيرا بمبدعيها وتنشئ لهم بنوكا للذاكرة وتحافظ عليها في أماكن محصنة من كل عبث كأنها كنوز قارون ..ماذا قدمنا لإرث ناجي العلي؟ كم متحفا يحمل اسمه أو يضم أعماله؟ ذكر طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة «السفير» أنه في أحد أيام سنة ـ 1982ـ إبان اجتياح بيروت تم جمع الشباب في مخيم عين الحلوة قسراً ..ليتم التعرف من قبل أدلاء ملثمين «عواينية» على المقاومين، وكان ناجي العلي في ذلك الحشد، وبكل حسه البطولي وبزهوة المقاوم اشرأب، وتطاول بعنقه، كي يلفت نظر الأدلاء والضباط الإسرائيليين إليه، رغم علمه بأنه سيساق إلى الموت، لكنهم مروا به دون اكتراث حتى ناداه جندي إسرائيلي:«هي يا شايب روخ.. روّخ عَ بيتك شو بتعمل هون»، تأخر ذلك الجندي وأسياده القتلة خمسة أعوام ليغتالوه في لندن، لابد أنهم وعوا أثر فنه متأخرين قليلاً، فهل نحتاج، نحن، لأكثر من عشرين عاما مرت على مقتله كي نعي قيمة ناجي العلي ولا نقتل ذاكرتنا بالإهمال و بالعزوف عن الشغب على خطاه ..؟؟