عن حالة راشد عيسى حكاية الصّحافي الملاحق باللّعنات

نبهنا لقمان ديركي، في العدد الماضي من «قاسيون»، في زاويته «صفر بالسلوك» إلى عملية النقل التعسفي بحق الصحافي راشد عيسى من جريدة وزارة الثقافة السورية «شرفات» إلى مكتبة الأسد، والسبب، كالعادة طبعاً، يكمن في عدم رضى أصحاب المقامات الرفيعة في الوزارة عن مقالة كان كتبها في جريدة «السفير»، تناول فيها غياب أبرز السينمائيين التاريخيين في سورية عن مهرجان دمشق السينمائي، منطلقاً، بالوضوح وبالموضوعية، من مجرد تساؤل ليس إلا، علماً أنّ الكلام الذي اعتبر قاسياً جاء على لسان المخرج محمد ملص. وفي مثل هذه الحالة كان أيّ أحد من اللوامين، في الوزارة، سينتفض فيما لو أنه هو من أعطى تصريحاً لجريدة ولم ينشر كما هو...

وإذا ما كان الخبر صحيحاً فإن قرار النقل هذا يستحق أن ينال لقب أسرع قرار في تاريخ الوزارة، على الرغم من أن هناك قرارات أكثر حساسية ماتزال معلقة إلى مالا يعلم أحد!
الآن، بات من الضروري الوقوف على هذه اللعنات التي تتوالى على راشد عيسى، فالرجل ما انفكت مقالاته النقدية تجلب له المصائب، ووجع الرأس، فوراء كل مقال تهديد بمحاكمة، أو بعقوبة مسلكية، مع أن مايكتبه يقع في دائرة الثقافة، ولا يخفى على أحدٍ كم أن ثقافتنا بحاجة إلى النقد، فالمسألة باتت تنحصر في معادلة ضيقة، إما أن تكون مداحاً أو فلتصمت، لأن المكافأة المنتظرة عقاب وقصاص.
مشكلة راشد مع الوزارة أنه موظف فيها، وهكذا سيكون عبرة للآخرين، وكفّاً لبلائهم، وسيصبح الصحافي بمثابة درس لكل من تسول له نفسه لاحقاً كتابة ما يمس شرف المؤسسة، وهكذا ستصرف المسألة بالشكل التالي: أن تكون موظفاً فليس لك الحديث عن وزارتك، مما يعني أنه لا يجوز لك أن تتحدث عن الحكومة، وبالتالي، فكونك سورياً لا يجوز لك أن تتحدث عن سورية!!
لا أحد من (فرسان الثقافة) يتقبل ملاحظة نقدية، ذلك أن الجميع يعتبرون النقد إما أن يكون باباً من أبواب المديح أو أنه غير معترف به ولا بصاحبه.
مقالات راشد عيسى كانت وبالاً عليه، جمال سليمان اتهمه بالإرهاب، ود. نبيل اللو، المدير العام لدار الأوبرا، رفع ضده دعوى وطالبه بتعويض وقدره مائة مليون ليرة سورية. كما أنه نقل من دار الأسد للثقافة والفنون إلى مديرية المسارح، تعسفياً، ثم إلى الدار، مرة أخرى كعقوبة مضاعفة، ومنها إلى جريدة «شرفات»، وهاهو ذا يعدّ الرحيل إلى مكتبة الأسد..
منذ فترة كتب الناقد المسرحي جوان جان مقالاً في جريدة «تشرين» كان عنوانه:«لماذا التهجم على الثقافة الوطنية؟»، وجان، كما هو معروف، أمين تحرير فصلية «الحياة المسرحية»، ومقاله هذا الذي يصل إلى حدود التخوين هو عقوبة لعيسى على مقال يتساءل فيه: (لماذا كانت الحياة المسرحية على أيام سعد الله ونوس غيرها على أيام جوان جان؟).
هذه العلاقة بين الناقد والمنقود تبدو حربية أكثر مما هي ثقافية، وسوى راشد عيسى من الضحايا كثر كسلمان عز الدين وإياد عيسى...