من كلمات هادي العلوي

نورد فيما يلي نصين كتبهما الراحل الكبير في أيامه الأخيرة، ويختلف النصان كثيراً في اللغة والأسلوب، ولكنهما يأتيان في سياق واحد، حيث أنهما يمثلان خلاصة ما أراد العلوي قوله عبر مسيرته الفكرية والنضالية الطويلة. ففي النص الأول نجده يتحدث بلغة سياسية ساخنة عن دور المثقفين في معارضة أنظمة القمع والتسلط والعمالة، وفي النص الثاني نراه يتحدث بلغة صوفية عالية الرفعة عن أشواقه وطموحاته في فجر جديد يطلع على البشرية ليخلصها من معاناتها وآلامها، وبأسلوب حرص فيه على محاكاة أسلوب المتصوف الشهير محمد بن عبد الجبار النفري.

مثقفية المعارضة

  المعارضة بمعناها العام  تحرك منظم لإسقاط سلطة غير فاضلة: يعني سلطة غير وطنية والبلاد تواجه تحدياً أجنبياً، أو سلطة غير شعبية والشعب جائع ومحروم من حقوقه الأساسية. ولا يسع مثقفية المعارضة أن تتمهوى خارج هذا الخط فهي تدعمه بوسائلها الخاصة بها.

وقد ينزل المثقف بنفسه إلى ساحة المعارضة السياسية أو العسكرية كما فعل الحلاج قديماً والبلاشفة في هذا العصر. وهؤلاء البلاشفة كانوا في جملتهم من المثقفين إلى الحد الذي يجيز لنا وصف الثورة البلشفية بأنها «ثورة المثقفين».

إن الضرورات والاعتبارات التي أوجدت مثقفية المعارضة في عصور الصين والإسلام يتكثف حضورها في أيامنا هذه وتملك نفس الضغط الباعث على الفعل. والدولة التي يجب معارضتها دولتان: الدولة الفاسدة /الخائنة، ومثالها دول الجامعة العربية في مجموعها الكلي. على أن تعبير المعارضة بخصوص هذه الدول مجازي أكثر منه أصلي فالمعارضة بمفهومها المعاصر سياسة قائمة على النقد وعدم التعاون. وهذه الدول لا يكفيها النقد وعدم التعاون بل يجب النضال مع القوى الوطنية والشعبية لإسقاطها. فالمقاومة أولى بالاستعمال هنا من المعارضة.هذه الدول معادية للشعب وحقوقه وللوطن وسيادته فهي جزء ملحق بالمعسكر الغربي بوصفه عدونا الأوحد.ومحاربتها واجب كمحاربة الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة والصهيونية ودولتها إسرائيل ألا ترون كيف أخذت العلاقات مجراها الطبيعي بين دول الجامعة العربية وبين هذا المعسكر.

المعارضة تكون لأنظمة من طراز آخر. أنظمة وطنية معادية للاستعمار والصهيونية، أو أنظمة شعبية معادية للرأسمالية. المثقف يعارض هذه الأنظمة ولا يعاديها وقد يجد حاجة للدفاع عنها ضد التآمر عليها من المستعمرين في الخارج أو الرأسماليين المحليين. إلا أنه لا يندمج فيها .لأن اندماج المثقف في الدولة يجلب الضرر عليه وعلى الدولة الوطنية أو الشعبية؛ عليه لأنه يفقده مثقفيه ويجعل منه داعية.أو يقيد تفكيره بوظيفته الإعلامية أو الإيديولوجية في أحسن الأحوال.  

من اصحاحات الوعد الفراتي

النجوم من جندي والماء مملكتي، ولي الأرض ذخائرٌ تخرجها الشمس للمدقعين. وأنا سيد الحروف وفي الحروف نبوتي، وسلاحي لا يغمد، ألا تسمعين جلجلته مع صلاة الفجر؟

غداً يظهر لي المسيح في سحابة النور المثقلة بالمطر الكوني، فأجمع حولي فقراء الأرض، وأسلمهم السلاح ليدخلوا به ملكوت النار، ثم يخرجون منها وقد فاضت لهم كنوز الدنيا، فيوزعونها ولا يملكونها لأنهم ملوك الحرمان، ومن الحرمان تزهر حقولهم وتزدهر بساتينهم، فلا ينغصهم فقرٌ ولا غنى، وأعطيهم ما تمناه لهم بلبل الأرواح فيشبعون بعد الجوع، ويكتسون بعد العري، ويعزُّون بعد الذل.

وتعود للأرض ظلالها وحروفها.   

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 16:36