لوكليزيو حامل نوبل للآداب 2008: كبدويٍّ هائم على وجه الأرض

جان ماري غوستاف لوكليزيو واحداً من أكثر الروائيين الفرنسيين ترجمة إلى لغات العالم. كاتب تجوّل بين الثقافات. تحرك بحرية، دون قيود، من قارة إلى أخرى ، ودمج الأفكار والصور من مختلف أنواع الأدب والثقافة. وقد توجت الأكاديمية الملكية السويدية جائزتها السنوية للأدب لعام 2008 بإبداع هذا الكاتب الذي اعتبرته حسب بيانها: «صاحب المغامرة الشعرية وكاتب النشوة الحسية والباحث عن الإنسانية داخل وخارج الحضارة السائدة».

نشر روايته الأولى عام 1963 «المحضر الرسمي» التي حصلت على جائزة رنودو. وحصل عام 1964 على دبلوم الدراسات العليا، بعد أن أنجز بحثاً حول «العزلة في أعمال هنري ميشو». ثم أصدر عام 1965 كتابه الثاني «الحمى» الذي كان عبارة عن تسع قصص عن الجنون.
كان عام 1967 عاماً حاسماً في حياته الشخصية والأدبية، حيث أدى خدمته العسكرية في بانكوك من خلال نظام مهام التعاون، غير أنه أرسل فيما بعد إلى المكسيك بعد أن تمّ طرده من بانكوك بعد إدلائه بأقوال لصحيفة الفيغارو عن دعارة الأطفال في تايلند. غير أن اكتشافه للمكسيك كان صدمة حقيقية، حيث يبدأ بالعمل على تراث الهنود الحمر. فقد شارك لوكليزيو، ما بين 1970 - 1974، الشعوب الهندية في مقاطعة دارين البنمية حياتها، حيث كتب عن هذه التجربة: «إنها صدمة حسية كبيرة، صعبة، كان الجو حاراً، وكان عليّ أن أمشي مسافات طويلة على الأقدام. كان عليّ أن أصبح خشناً، صلباً. منذ تلك اللحظة، اللحظة التي لامست فيها هذا العالم لم أعد كائناً عقلياً. أثرت هذه اللا عقلية فيما بعد في كلّ كتبي».
وهكذا يكرس لوكليزيو العديد من الكتب حول المكسيك والهنود الحمر منها ترجمات عن النصوص القديمة.
في عام 1988 سيقع في مواجهة مع الأوساط الصهيونية في فرنسا التي عدته مشبوهاً على غرار جان جينيه بعد أن نشر جزءاً من روايته نجمة تائهة التي كان يعمل على كتابتها في مجلة الدراسات الفلسطينية، متناولاً فيه مأساة اللاجئين الفلسطينيين والمراحل الأولى من تشكل المخيم الفلسطيني.
تتابعت إصداراته ، حيث أصدر «الربيع وفصول أخرى» ( 1989)، «أونيتشا ونجمة تائهة» (1993)، «سمكة من ذهب» (1997)، «صدفة» (1999)، «قلب يحترق» (2001)، «ثورات» ( 2003).
يمثل لوكليزيو في أعماله الكاتب الذي يبحث عن صوت الآخر، سعياً إلى رفض أساطير العالم الغربي الزائفة المدمرة والهارب من معطياتها وشروطها: «من خلال علاقتي بالهنود غيّرت الصورة التي أحملها عن الزمن. قبل ذلك، كنت مذعوراً بكثير من الأشياء التي لم تعد ترعبني: الخوف من الموت، المرض، القلق من المستقبل. ذلك لم يعد يرعبني الآن...  ترعبني فكرة أن أطفالي يمكنهم أن يعرفوا المرض أو الموت، كذلك الحروب العبثية أو الوحشية مثل التي عشناها، وكذلك احتمال وقوع الكوارث البيئية. إن مسؤوليتنا أمام أجيال المستقبل مسؤولية كاملة. إذا  تعلمنا العيش مثلما يعيش الهنود الأميركيون أو مثل هؤلاء سكان الصحراء، بالتأكيد لن يكون لدينا هذا القدر من الكوارث. بالتأكيد لن نكون بالدرجة ذاتها من الكمال التقني، ولكننا لن نهدر بهذه السهولة فرصتنا للحياة.. هناك ضرورة ملحة لسماع أصوات أخرى، للإنصات إلى أصوات لا ندعها تجيء إلينا، أصوات أناس لا نسمعهم لأنه استهين بهم لوقتٍ طويل، أو لأن عددهم ضئيل، ولكن لديهم الكثير من الأشياء لنتعلمها.»
معظم شخصياته الرّوائية عنده ترحل في عالم من  التيه والتطواف، التطواف الذي يؤسس وجود الشخصية ويبرهن على حريتها. وغالباً ما تكون هذه الشخصيات  شخصيات مراهقين، أنقياء جداً.. وفي الوقت ذاته، قساة جداً. ينطلقون في الحياة، عليهم واجب التغلب على الصعاب لإنقاذ العالم وأنفسهم من التدمير والفساد. وكذلك فإن الحضور القوي للشخصيات النسائية يثير الاهتمام، إنهن من ينقلن الذاكرة والتجربة والنقاء.