عــادات القــراءة
على مستوى الكتابة يتحفنا الكثير من الكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي بمنغصات يدعونها عادات الكتابة، فهذا يكتب بعد حلم طويل بقصيدة عصماء ليرسمها نهاراً، أما ذاك فيدبج روايته وهو عار، وآخر يكتب بقلم الرصاص وهكذا..
لنصل إلى ما يسمى طقوس الكتابة وهنا مربط الفرس. فالطقس لغوياً هو الفعل الذي يمارسه البشر للتقرب من الله أو الأسلاف أو الآلهة، وهو يمارس عادة بروح هائمة. أما ما أعرفه عن الكتابة: فهي فعل واع ينم عن التزام واع أيضاً بقصد إيصال المعارف والأفكار إلى جمهور الناس فالكتابة الواعية أعلى درجات تطور جنسنا. أما الكتابة الطقوسية فهي حكر على المتصوفة المتبتلين والأولياء.. إلا إذا كان المقصود بطقس الكتابة هو التماهي بين الحالتين أي اندغام الكتابة المعرفية بالكتابة الطقوسية بهدف صبغ الأولى بطابع الثانية، لكن لنحاذر من التهوين من مفهوم الطقس(ولو لغوياً) لما له من وقع على فعل الكتابة فالكتابة فعل خلاق يحتاج الهمم ولا يحتاج هالات القداسة.
أما عن عادات القراءة فلأسمح لنفسي أولاً تذكر بعضا من حوادث القراءة و القرّاء.. .أجمل تشبيه قرأته للقاريء النهم هو ذاك الذي ابتدعه نيكوس كازنتزاكي على لسان زوربا: عث الكتب!! أما أظرف ما وقع معي فهو شرائي لكتاب مترجم عن القصة الإسبانو أمريكية ترجمه صالح علماني، فبحثت مطولاً في الفهرس عن قصص خورخي أمادو!! أجمل ميتة لعثة كتب (إن كان في الموت جمال) هي ميتة الجاحظ بانهيار مكتبته على رأسه، أما أتعس ميتة لعثة كتب فهي ميتة رولان بارت دهساً بعربة جمع القمامة. أعرف أصدقاء كثر يشترون الكتب للتصفح أو لركنها على سقيفة المطبخ بعد أن تبتلع المكتبة من الكتب أكثر من حاجتها وهم مراجع موثوقة بالفهارس والأعلام ولكن القراءة عندهم لا تتكرر أكثر من تكرار أعيادنا الوطنية والدينية.. متى تصبح القراءة أكثر من عادة أو عرف أو ما شابه وتصير حاجة ملحة؟
فليتوجه الإعلام والتوعية المدرسية بهذا الإتجاه لجعل القراءة بعيدة كل البعد عن النوافل، أنا لا أعرف من عادات القراءة عند الكتاب والشعراء مثلا الكثير سوى أنهم يقرؤون.. هم يعرفون لماذا ونحن لا نعرف كيف.. وكم..؟؟ سألت صديقاً لي عن السبب في كوني أبدأ قراءتي للصحف من آخر صفحة باتجاه الداخل، رد قائلاً: هذه العادة جاءتنا من الغرب لأنهم يقرؤون من اليسار إلى اليمين!! القراءة هي الفعل الوحيد الذي ينجزه البشر دون أية فوائد مادية مرجوة في المدى الزمني نفسه لهذا الفعل، ومن عاداتها السيئة جداً أنها لم تعد عادة !! فلا يتحفنا الكتّاب والمنتجون للثقافة بعادات القراءة عندهم على غرار عادات الكتابة، أن يكون للقراءة طقوسها فهو شيء حسن فالقراءة قد يجتاحها الشرود وقلة التركيز لكن الكتابة موضوعها مختلف كما أسلفت.. القراءة فقط يمكن لها أن تكون متعة وطقساً معاً وهذا أضعف الإيمان..