هل الشعر في مهب النسيان حقاً؟
شخصياً، لا أتذكر آخر مرة، قرأت فيها قصيدة جديدة، وأدارت رأسي من النشوة. وكأن الشعر أصبح في مهب النسيان، أو أنني فقدت حس الدهشة نحو ما يُكتب من شعر اليوم. بالكاد أقع على مقطع في ديوان كامل، كي أُقنع نفسي أنه هنا «بيت القصيد»!
لست متطلباً، لكن الشعر العربي الجديد، على وجه العموم، إلى انحسار، أو أنه يتراجع إلى الخنادق الخلفية. كان الشاعر القديم يقول بيتاً من الشعر فيمنحه الحاكم كيساً من الدنانير، أو يعفو عنه من موت محتّم. شاعر اليوم سوف يُجلد على ما ارتكب من آثام مئة جلدة وما فوق، ليس لقوة الهجاء في قصيدته، بل لفقدانها عناصر الشعر. قصيدة لا تقول شيئاً، ولا تريد أن تقول شيئاً، جوهرها الركاكة، وقلة الحيلة.
ولكن ماذا تفعل كتيبة كاملة من الشعراء والشاعرات؟
ففي إحصائية اعتباطية، يُنشر كل يوم «ديوان» على الأقل، في سورية وحدها، فما بالك بالخريطة العربية بأكملها. لا أحد يعلم تماماً، من ورّط هؤلاء كي يمتهنوا الشعر، وأين تنتهي هذه الأطنان من الورق بعد طباعتها. لا شك أن بعضها يتسلل إلى بسطات كتب الأرصفة، بعد أن يُمحى الإهداء، كي لا يُكتشف صاحبها، في حال قام الشاعر الصنديد في جولة تفتيشية مباغتة. ما تبقى من النسخ، سوف يغطيه الغبار في رفوف المكتبات العامة، ثم ينتهي الأمر.
لا أحد من أصحاب دور النشر الخاصة اليوم، يغامر بطباعة ديوان شعر على نفقة الدار، كما أنهم يستقبلون الشاعر بجفاء، وكأنه مصاب بمرض الجذام. رغم ذلك تتم الصفقة بطباعة الديوان على حساب الشاعر، بعد أن يستدين المبلغ من أصدقائه، ويسدده بأقساط مريحة. أعتقد لو أن بعض هؤلاء الشعراء، أنفق المبلغ في شراء جهاز كمبيوتر، أو ثلاجة بالتقسيط، لكان الوضع أفضل لكل الأطراف.
هناك من يقول، إننا نعيش لحظة لا شعرية، في ظل مشاهد الدمار والخراب التي تحيط بنا كأحفاد للمتنبي وأبي نواس، ولكن متى كان العرب يعيشون لحظة شعرية، من الجاهلية إلى اليوم، فقد كان عنترة يشبه ثغر عبلة بالسيف، كما انتهى طرفة بن العبد مسموماً!
قد تتورط وتحضر أمسية شعرية، كي تسمع القصيدة من فم صاحبها، على الهواء مباشرة، لكنك سرعان ما تشعر بحاجتك للتثاؤب، وبضجر شديد، لا يقل وطأة عما يحدث في قاعة للمحاضرات السياسية، ماذا تفعل إذاً، كي تستعيد ذلك الزمن الذي كانت تغص فيه القاعات لحضور أمسية شعرية؟ هل المشكلة في التلقي أم في ما يُكتب من شعر اليوم؟
في حقل الإبداع يعم الاستسهال، طالما أن كل من كتب على طرف كراسته «عواءً» شخصياً، وجد من يشجعه أو «يشجعها؟» على النشر، وما أكثر المنابر التي تفتح أذرعها للهباء والتفاهة. الأمر بصراحة، لا يختلف كثيراً عن مهنة سائق السرفيس، فهي مهنة من لا مهنة له، ولا فرق بين خط «ميدان شيخ» أو «الدوار الشمالي»!.