نوري اسكندر.. الرؤيا الموسيقية الرائدة
في نقابة الأطباء ، فرع حلب بتاريخ 2008/7/30 أقيمت ندوة للموسيقار نوري اسكندر، أدارها فؤاد محمد فؤاد الطبيب والشاعر.
نوري اسكندر الذي حاز على ليسانس في التربية الموسيقية من جامعة القاهرة، عمل في مجال تدريس الموسيقا في مدارس حلب ودور المعلمين ، مدير المعهد العربي للموسيقى بحلب.
- من أعماله الهامة: الثلاثي الوتري،كونشيرتو لآلة العود مع فرقة الحجرة، كونشيرتو لآلة التشيللو مع فرقة الحجرة..
يرى الأستاذ نوري اسكندر أن الموسيقى العربية ما تزال أمينة للمقامات الموسيقية المعروفة : صبا، نهوند، بيات، عجم، حجاز، راست.. و أن التعامل مع هذه المقامات، وبنيـّـة الحفاظ على التراث، لم يتعد القوالب و الجمل اللحنية التي تهدف في نهاية الأمر إلى التطريب، خاصة في الجملة المحبوكة و القفلة، و هنا لا تكون الموسيقا مستقلة إنما مرافقة للصوت، وكثيرا ً ما يسيطر هذا الأخير على الموسيقى، فتعرف المقطوعة باسم المؤدي، بينما يبقى اسم المؤلف الموسيقي أو كاتب الكلمات مجهولا ًفي أغلب الأحيان، و كنا نضع اللحن بما يناسب صوت المؤدي فكأنه لاحق. في الطرف الآخر، لم تستطع الموسيقا الغربية، ليس فقط بسبب افتقادها للأرباع والتزامها بسلم باخ، أن تذهب بالأذن البشرية إلى حالة الطرب -وهنا يجب أن لا يفهم أن الغرض من الاستماع هو الطرب فقط - إذ أن هذا ليس الهدف الوحيد للموسيقى، فهناك هدف أنبل، هو إثارة الأسئلة، أي ّ الدعوة إلى التفكير، و هذا يعني ، بلغة الموســيقا، كســر المقامات، و فتح ثغرات فيها، و إدخال الهارموني عليها، للوصول إلى جمل لحنية جديدة ، بهدف التطوير و الإغناء.
ورأى اسكندر أن للموسيقى وظيفة أخرى غير الطرب، ألا و هي اختراع الأسئلة المحرضة للتفكير و التأمل، و الطريقة الوحيدة للوصول إلى هذا هي التجريد، و التجريد عمليا ً موجود، خاصة في الموسيقا الغربية، لكن المشكلة أن الموسيقا العربية لم تدخل تماما ً، حتى الآن، عالم التجريد ، وأعتقد أن السبب في هذا هو تربي الأذن العربية على الطرب وأمانة المؤلفين الموسيقيين للمقامات العربية القديمة، وكذلك تحريم الموسيقى أوالعمل بها من عدد من رجالات المجتمع، وسيادة الميل المحافظ بشكل عام على آليات التفكير في المجتمع العربي ، و اعتبار أيّ خروج عن المألوف هو إما جنون أو هرطقة.
في الموسيقا الصوفية يتهيب الأستاذ نوري، و يقف موقف الحذر والتأني مع رغبة شديدة في ولوج البرزخ السماوي، لكنه، بعد أن خبر هذا السحر في الأذكار والموالد و الأناشيد الكنسية السريانية الشرقية والطقاطيق القديمة وهلهولات الأعراس، عقد العزم على متابعة مشروعه. في الخلاصة، نجد أن الموقف المحافظ المتمسك بالتراث، الأمين والوفي للمقامات، يدور، حتى عندما يريد أن يطور، في فلك المألوف، و هو بهذا، و بتمسكه بوظيفة التطريب، غير قادر على إحداث تطوير حقيقي، فما بالك بالتحديث !
والموقف الآخر، الغربي، الآلي البحت، وإن كان أفضل حالا ً في وظيفة التأمل و التفكير، بسبب تجريده، غير قادر على إيجاد مفردات يتواصل بواسطتها مع الأذن العربية و الشرقية بشكل عام، أما مشروع نوري، فهو، باختصار، خروج الموسيقى العربية من رتابة المقامات وحلاوة طربها إلى سماوات مفتوحة للتفكير والتأمل عن طريق كسر القوالب اللحنية واقتراح جمل موسيقية وهارمنتها ضمن المجال نفسه (إعادة إكتشاف المقام و دراسة إمكانياته).