رضوان محمد رضوان محمد

أأنا الفقيدُ أم الوليدُ؟!

بين نشرات الأخبار المتفرقة: سقوط طائرات.. آلاف القتلى نتيجة الحرب الدائرة بين روسيا وجيورجيا.. انفجار في شمال العراق يؤدي إلى مقتل واحد وعشرين مواطناً.. أفلنا هذه الأخبار، لكنّ فجأة أطّل «خبر عاجل»: توقف قلب الشاعر الفلسطيني الكبير، شاعر الثورة، محمود درويش، عن الخفقان بعد عمر ناهز السابعة والستين.

لكم تمنيت أن يكون خبرا كاذبا، كالأخبار الكثيرة الكاذبة في الصحافة!! ما طمأن  نفسي قليلاً، تضارب الأنباء، في البداية، بحيث كانت روحي تريد لو أن محمود درويش سيطل من شاشة ما، ويكذب الجميع، ولكن طبيبه الخاص في هيوستن بولاية تكساس جلا عنا ما أردناه، إذ قام تلبية لرغبة الشاعر الذاهب إلى خلود في ذاتنا، برفع أجهزة التنفس، عندها شعرت بأسى شديد، وكأنني أفقد أعز أصدقائي، كيف لا وأنا، مثل كل الناس، معجب به منذ نعومة أظفاري، أستعير مجموعاته، ولا أتركها حتى انتهي منها، لا بل أفضلها على دراستي في أوقات الامتحان، أشعاره جعلتني أعشق الشعر والشعراء، وانظر إليهم باحترام، مضحياً بوقت كنت أظنه أغلى من الشعر، ويا سخف ما ظننت، وأنا أعيد ترتيب ذائقتي، على فصال مايكتب هذا النبي:«أرى جسدي هناك، ولا أحس/  بعنفوان الموت، أو بحياتي الأولى / كأني لست مني . من أنا ؟ أأنا/ الفقيد أم الوليد».

لا أريد نطقها هذه اللحظة، ولكنك الفقيد الكبير هذه المرة أيها الجميل.. الجميل، يا من مزقت الكفن وقهرت الموت مراراً بقصائدك العذبة، أليس أنت الذي حولت كلماتك رصاصاً إلى صدور أعدائك، وجعلت قصائدك وصايا للأجيال القادمة من بعدك أن اثأروا للشهداء ، وخلدت صورة بطل أطفال الحجارة محمد الدرة بأجمل صورة، بأن جعلته قدوة لجميع أطفال بلدك، فأصبح الجميع يسعون إلى الشهادة رافعين الحجارة بأيديهم الصغيرة بوجه دبابات عدوهم.

باكرا رحلت يا صديق الشعر والشعراء، وإذا كان هناك أب للتاريخ، وأب للطب دعني أطلق عليك لقب «أبو الشعر»، بل وأخو الشعر وابنه، وأبن عم الشعر، وكل عائلته.

لأنك غنيت للجميع، لم تنس أحداً ونسيت آلامك، وأنت تموت ميتات كثر، للوطن وللحب وللوردة وللعصافير.

ونقرأ أيضا في قصيدتك ليس للكردي إلا الريح  إلى صديقك سليم بركات، الذي لا يمكن له الآن إلا أن يهدي ورود قبرك بعض الريح الرقيقة، تلك الريح التي لايملكها إلا الأكراد: «يتذكر الكردي، حين أزوره،غده/ فيبعد بمكنسته الغبار :إليك عني!»

وأنا الآن قلبي تحول إلى جمرة من نار، عندما غص المذيع وعندما أعلن النبأ،ولم يستطع تتمة نشرة الأخبار  أجل أيها الراحل الكبير الجميل، ستجعل أبناء قريتك البروة في الجليل ومعهم الملايين،ينامون وهم يتألمون على فراقك، محمود درويش وداعا، يكفيك انك كتبت «الجدارية»، و«حالة حصار»، و«لا تعتذر عما فعلت»، و«سرير الغريبة»، وجعلت العدو يخافك حين كتبت «أيها المارون بين الكلمات العابرة/ منكم السيف – ومنا دمنا/ منكم الفولاذ والنار – ومنا لحمنا/ منكم دبابة أخرى – ومنا المطر/ وعلينا ما عليكم من سماء وهواء/ فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا/ وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء/  وعلينا، نحن،أن نحيا كما نشاء!»

ستحيا قصائدك في قلوبنا وضمائرنا ما حيينا، وستظل تحيا مع كل قصة عشق بين حبيبين، وستظل تحيا مع كل عاشق لتراب وطنه والحرية ومع كل إنسان يكره الظلم والأغلال ويدعو إلى السلام،محمود درويش، لأنك لم تفسح لنا مجالاً في مملكة شعرك، افسح ولو قليلاً لنا في جنة مجدك الجديدة .

آخر تعديل على الثلاثاء, 23 آب/أغسطس 2016 12:00